+ A
A -
كان لابد من الانتقال إلى مدرسة قطر الإعدادية في الدوحة، حيث هي المدرسة الوحيدة الاعدادية في حينه، على ما أذكر، هناك وجدنا مجتمعا طلابيا مختلفا نوعا وكما، بالإضافة إلى الانتقال إلى العاصمة من الضاحية. كانت وسائل الاتصال المتاحة لنا كشباب شحيحة في ذلك الوقت ولم نكن نذهب إلى الدوحة إلا نادرا، ناهيك عن ذهابنا إلى المناطق الأخرى من قطر، كالشمال أو الوكرة، كانت مدرسة قطر الاعدادية مجتمعا واسعا به جميع أطياف المجتمع القطري، فالتقينا بأهل شرق من قبائل قطر الكريمة، كالسلطة والهتمي والخليفات، ومن قبائل الشمال الذين يسكنون القسم الداخلي من المهاندة والكعبان والنعيم وغيرهم. وكان بعض منهم يسكن الريان، لكن في قطر الاعدادية التقينا بأطياف أوسع وأشمل من أهل قطر، تبدد الخوف من المدرس شيئا فشيئا مع انتقالنا إلى الاعدادية في الدوحة، ويمكن إرجاع ذلك لاتساع رقعة الضبط، وبالتالي ارتخائه، ماعدا أحد المدرسين ويدعى سعد الدين، فقد كان شديدا وعنيفا وكنا نخافه في الصف الأول الاعدادي بدرجة كبيرة، وأراد الله أن يتوفى أحد الطلبة بحادث مأسوي عند خروج الباص من بوابة المدرسة الضيقة، فيصدم رأسه الذي كان خارجا من النافذة يتحدث مع أحد المارة بالبوابة فيتوفى رحمه الله في الحال، مما جعل الأستاذ سعد الدين يبكي بكاء مرا عليه لأنه كان قاسيا عليه دائما، معنفا إياه بسبب وبدون سبب، فيتفاجأ بسرعة رحيله. كانت الدوحة تمثل لمن هم في عمرنا في ذلك الوقت إغراء لا يقاوم، فلم نكن نعرف في الريان سوى «المعاصر» جمع معصرة، وبعض المطاعم الهندية، فاكتشفنا مطعم الفول بجانب البنك العربي، وكان الفول المدمس طبقا شهيا ومازال إلا انه احدث قفزة في الذائقة لدينا في ذلك الوقت، والمطعم الصومالي أيضا أعتقد أنه كان في منطقة النجادة وطبق الكبدة والآر كيك، كانت مدرسة قطر الاعدادية شاسعة المساحة، ولم يكن بالامكان ضبط الطلبة من التسلل خارجها بأي حال من الاحوال، وكان اشهر الاساتذة الذين يحاولون وقف هذا التسرب الطلابي استاذ سوداني اسمة الطيب، على ما أعتقد، وأما مدير المدرسة فهو السوري عادل كنعان، وأشهر المدرسين الملاكم المعتزل طه العطار وغازي الخطيب وكابتن النادي الأهلي المصري في الستينيات وجيه مصطفى، أما اشهر المفوهين والخطباء في طابور الصباح فكان الاستاذ فتحي البلعاوي رحمه الله، عضو منظمة التحرير الفلسطينية، فكان متمكنا من اللغة ويجيد الخطابة والتأثير في النفس.
من حسنات تلك المرحلة أن الطالب لا يطرد من الفصل ولا من الدراسة مهما تكرر رسوبه وإعادته للسنة الدراسية، كان صحوة الضمير بالتعليم وأهميته تحتاج وقتا أطول في مجتمع محافظ لذلك كثير ممن أعاد السنة تنبه واستدرك وأكمل بنجاح وهم اليوم من حملة الشهادات العليا، والبعض الآخر تسرب مع الأسف خارج الدراسة، ولكن تطور الدولة استوعبهم ضمن مؤسساتها الأخرى العسكرية منها بالأخص، لذلك تجد في الفصل مراحل عمرية متفاوتة ومتباعدة، الأمر الذي لا يقبل اليوم على كل حال، كانت تلك المرحلة مرحلة نضالا ضد العدو الصهيوني، وكان النظام التعليمي العربي عامة معبأ بروح قومية نضالية ضد الصهاينة، واحتلالهم وتدنيسهم للقدس، ومازلت أذكر زيارة المناضلة من الجبهة الشعبية الفلسطينية السيدة ليلى خالد لنا في المدرسة، والتفافنا حولها وهي تشرح لنا عن كيفية اختطافها وزملائها للطائرات محاولة منهم للفت نظر الرأي العام العالمي، ومازلت أذكر صوت أحمد الشقيري رئيس منظمة التحرير الفلسطينية قبل ياسر عرفات رحمهما الله، هادرا في استاد الدوحة وقد امتلأ بأهل قطر جميعا. كانت تلك المرحلة تمثل في نظري أكثر مراحل مجتمعنا القطري قربا لبعضه البعض، مع ذلك كان على النظام التعليمي مسؤولية أكبر مما سبق حيث تزايد أعداد الطلبة بشكل ملحوظ سواء القطريون أم الوافدون من الاخوة العرب وبالذات الفلسطينيين، وقبل تخرجي من الاعدادية صدرت مجلة العروبة المجلة الأولى في قطر فكان يوم صدورها، وأعتقد انه يوم الخميس من كل أسبوع يوما مشهودا لي حيث كنت أنتظرها بفارغ الصبر.
بقلم : عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
11/02/2018
4449