+ A
A -
لم يكن في وعينا ونحن أطفال أو شباب في مقتبل العمر، نلعب في أطراف الفريج، أهمية تذكر للوقت بالمعنى العام، سوى وقت آذان «المغرب». هذا الوقت بالذات نهاية كل نشاط، مهما كانت اهميته، تتوقف المباراة حتى لو لم يكتمل وقتها المحدد، يقفل المذياع ولو كانت نشرة أخبار هامة، إنه وقت «الصُفرة»، لآذان المغرب خصوصية مجتمعية في ذلك الوقت، حيث يتدخل المجتمع في حالة عدم الالتزام بوقت «الصُفرة» وإيقاف كل نشاط، عن طريق ما يسمى اليوم بـ«المحتسب» الذي يقوم بدور المجتمع نيابة عنه، وإذا أراد «الشيبان» أن يتهموا أفرادا أو مجموعة ما، وصفوهم بأنهم يلعبون «وقت الصُفرة» يعني وقت المغرب أو غروب الشمس، مما يتيح للمجتمع بعد ذلك التدخل لإيقافهم. وأذكر مرة أننا كنا في مباراة لكرة القدم بين فريقنا وفريق «الغرافة»، والمباراة على اشدها ومع دخول وقت «الصفرة» وجدت الجميع يهرب تاركا ثيابه ودراجته «السيكل»، حيث فوجئنا بالشيخ عيد بن محمد رحمه الله يعترض الملعب ومعه نفر من اتباعه وبيده خيزران، فتركت الكرة وهربت تاركا ثوبي و«سيكلي» «دراجتي» وعدت إلى بيتي بقميص و«شورت» اللعب. وكان الشيخ عيد بن محمد رحمه الله من أشد الناس حرصا على إقامة الصلاة والالتزام بوقت «الصُفرة» وعدم اللعب فيه، في حين الاستماع إلى الغناء في هذا الوقت يعد ذنبا لا يغتفر ويدل إلى قلة إيمان الشخص. كان يعتقد كما قيل لنا مرارا أن وقت المغرب «الصفرة» هو وقت نشاط الشياطين، وكل من يمارس نشاطا أو يستمع إلى غناء أو أي شكل من اشكال اللهو هو بالضرورة يشارك الشياطين أو يبدو وكأنه أحدهم. ما يهمني أكثر هو تدخل أهل «الفريج» فيما يظنون أنه خطر على أولادهم سواء كان هذا الخطر ماديا أو ثقافيا. كان مسجد «أحمد بن يوسف الجابر» رحمه الله، في الريان القديم هو سجل حضور الابناء اليومي للصلاة وخاصة صلاة المغرب والمتغيب عنه يثير علامات استفهام ويحتاج إلى متابعة ونصيحة ومن ثم جزاء وعقاب، واحمد بن يوسف الجابر رحمه الله، من أعيان الريان وقطر في ذلك الوقت فهو الشاعر والأديب، ومن شدة تواضعه رحمه الله أنه ذكر في مقابلة له استمعت إليها عندما وصفه المذيع بانه مثقف ذلك العصر إنه قال «الأعور» على العميان باشا. السمعة الحسنة للشخص أساسا في ذلك الوقت تتأتى عن طريق محافظته على الصلاة ولايزال هذا قائما ولكنه كان في السابق نمطا اجتماعيا سائدا بشكل اكثر وضوحا ورسوخا نظرا لتجانس المجتمع بشكل كبير، من يحافظ عليها، يكتسب احترام اهل الفريج ولو كان جديدا عليه، والعكس صحيح، من «لايصلي»، لايحبذ الاقتران به أو التقرب اليه مهما كانت مكانته أو وضعه الاجتماعي. واذكر أن إمام مسجدنا «مسجد احمد بن يوسف الجابر» كان شيخا كبيرا في السن يدعى «عبدالله» ثم تلاه إمام آخر من اهل فارس يدعى «عبد الملك» وهم اقرب الناس إلى طبيعة أهل قطر في ذلك، كانت لديهم القدرة على التكيف مع طبيعة المجتمع، وفي أيام تالية جاءنا شيخ ازهري يدعى الشيخ «عبد المعتمد» فأطال في الخطبة، وركز على استخدام مكبر الصوت في مسجد صغير، حتى ان بعض المصلين من شيبان الفريج كانوا يتساءلون عن مغزى والهدف من تلك «اللجة» كما سموها، رحمهم جميعا. فدخلنا بعد ذلك في حقبة المايكروفون ورفع الصوت في غير مواضعه، فأصبح الوقت كله «صُفره» وخوف من الشياطين أو خيالاتهم، لم يبق من مسجد احمد بن يوسف الجابر شيئا يذكر، ولم يبق من رواده الاوائل الا بعض ابنائهم واحفادهم، ولكن يبقى وقت «الصفرة» وأهميته في ذهنية أهل قطر كدليل على نقاء العقيدة، قبل ان تلوث بشياطين الدنيا وعشاق بريقها الآفل.
بقلم : عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
08/02/2018
2996