+ A
A -
الدعوة الخبيثة المعلنة من قيادات حزب الليكود في إسرائيل، لعقد مؤتمر طارئ لسن قانون يفرض سيادة إسرائيل على الضفة الغربية، وضم كافة الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس إلى حدود إسرائيل، هي دعوة تعيد تأكيد ما اعترف به خبراء وكتاب أميركيون وإسرائيليون، من أن خطة التفاوض بين الفلسطينيين وإسرائيل، لم تكن – من وجهة نظرها – تهدف لرسم حدود بين دولتين، بل لإزالة الدولة الأخرى من الوجود.
كان من اعترف بهذه الحقيقة صراحة سيمحا دينيتز السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن في جلسات المؤتمر الذي عقده معهد واشنطن، في منتصف أكتوبر 1998، لتقييم نتائج حرب أكتوبر 1973، بمناسبة مرور 25عاما عليها.
وهو المؤتمر الذي حضرته مشاركا بدعوة من معهد واشنطن، وحضره ثلاثون من النخبة المرموقة في صناعة السياسة الخارجية، خاصة من كانوا يشغلون مناصب رفيعة في إدارة نيكسون وقت هذه الحرب، بالإضافة غلى شخصيات سياسية ودبلوماسية، وعسكرية، بينهم سيمحا دينيتز، وممثل للمخابرات السوفياتية في الشرق الأوسط، وشخصيات من مصر منهم السفير د. أشرف غربال.
ولم تكن مشاركة الحاضرين لمجرد تحليل ما جرى، بل تقديم ما في حوزتهم من معلومات مجردة عما جرى في هذا الوقت من عام 1973.
.. دينيتز قال بالنص: إن النزاع على حدود أو ماء، أو أرض، كأي نزاع بين دولتين، لكنه نزاع على وجودهم، وأن المشكلة الفلسطينية هي مشكلة حقيقية تختص بالوجود والتعايش.
والحقيقة المريرة أن إسرائيل ما كان لها أن تعتنق هذا التفكير، لولا إدراكها بقدرتها على تطويع الدور الأميركي لصالحها، منحازا تماما لها، حتى ولو ادعوا بغير ذلك، ونحن لا ننسى عندما شنت القوى اليهودية الأميركية حملة هجوم عاتية على مسؤولين بوزارة الخارجية الأميركية لأنهم تجرأوا بالقول أن سياسة أميركا لا تنحاز لطرف من طرفي النزاع، وصرخ القائمون على هذه الحملة بالقول بحتمية التحيز لهم.
والتحيز الكامل لإسرائيل، حقيقة لا يستطيع الأميركيون إنكارها. وعلى سبيل المثال كان ويليام كوهن وزير الدفاع الأسبق في إدارة كلينتون، قد طرح في أكثر من مناسبة المشكلة التي أسماها ازدواجية المعايير في سياسة أميركا في الشرق الأوسط، أمام لجنة الاعتمادات بمجلس الشيوخ. ويومها قال إن الشعوب العربية ترى أننا متحيزون وغير منصفين، ولا نتحرك بقوة كافية للوصول إلى تسوية سلام في الشرق الأوسط، ثم أراد كوهن التخفيف من وقع كلماته، فأضاف إنني لا أقول أن ذلك صحيح، لكنه تسبب في خلق ظروف معقدة لنا.
وفي مناسبة أخرى في مؤتمر بنادى الصحافة القومي الأميركي، طرح مشكلة ازدواجية المعايير، في التعامل مع العرب وإسرائيل، باعتبارها وراء الخلل في السياسة الخارجية.
حتى أن بعض المحللين الذين يتناولون الأحداث بموضوعية، ربطوا هذا الكلام بما سموه شراء القرار السياسي، عن طريق سطوة قوى الضغط وجماعات المصالح، على المرشح للبيت الأبيض، وملاحقته بعد فوزه ليظل منحازا لإسرائيل.
لكن – إذا كان هذا يتصل بمواقف من يدير شؤون الدولة في البيت الأبيض، وفي الكونجرس، فماذا عن الرأي العام نفسه؟.
لقد فتح الباب لمناقشات لا تنتهي، لدى الرأي العام عن حقيقة تعبير السياسة الخارجية، عن إرادة الرأي العام، وأظهرت استطلاعات الرأي شكوى الغالبية، من أن قوى الضغط، وجماعات المصالح، هي التي تسيطر على توجيه السياسة الخارجية، وليسوا هم، وأن الرأي العام ليس دائما على توافق مع ما تصنعه النخبة في كل حالات توجه السياسة الخارجية.
ولعل الاستطلاع الذي جرى في تلك الفترة من حكم كلينتون، في أنحاء الولايات المتحدة، يلقى ضوءا كاشفا على حقيقة تعبير السياسة المنحازة لإسرائيل، عن إرادة الشعب الأميركي نفسه. فقد طرحت في هذا الاستطلاع أسئلة، كان من أبرزها: هل توافق على قيام دولة فلسطينية مستقلة؟. وكانت النتيجة – الموافقون نسبتهم 53.09 %، وغير الموافقين 15.03 %، وأن 13.04 % لم يحددوا موقفهم.
إن الساحة الداخلية الأميركية ليست مغلقة في وجه العرب، لكنهم مازالوا خارج أسوارها، لأن الدخول إليها وصولا إلى الرأي العام، لا يمكن أن يقوم به العرب فرادى، بل لابد له من خطة منظمة ومنسقة تحشد وراءها كل الإمكانات العربية، للتواجد المتواصل، وطرح الرؤى والأفكار، بشكل منتظم، خاصة مع الصحف ووسائل الإعلام، وعبر ندوات مراكز البحوث، وغيرها من التجمعات والمؤسسات ذات النفوذ.
هذه حقيقة لمستها أثناء عملي بالولايات المتحدة – رئيسا لمكاتب الأهرام – وكان هؤلاء جميعهم عاتبون علينا نحن العرب، لغيابنا عن الساحة الأميركية، ووقوفنا بعيدا عن مراكز التأثير.

بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
07/02/2018
2471