+ A
A -
تمضي الإدارةِ الأميركيةِ، ودون أدنى اعتبارٍ لمجملِ الأطرافِ العربيةِ، في خطواتها غير المتوازنة، والمُبتعدة كلياً عن قرارات الشرعيةِ الدوليةِ. فإلى جانب قرارَي الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن القدس ونقل السفارة الأميركية إليها، تُلمّح واشنطن لخطواتٍ إضافيةٍ، منها السعي لــ«أسرلة حائط البراق» والقول إنها لن تؤثر على مسار عملية «السلام» وفق المبعوث الأميركي جارد كوشنير، كذلك في خوضها عراكاً دولياً واسعاً من أجل إنهاءِ وتفكيكِ وكالةِ الأونروا، وإحالتها على التقاعد، سعياً لشطب حق العودة للاجئي فلسطين. فالولايات المتحدة الأميركية تؤكد يوماً بعد يوم مَلَكيتها أكثر من الملك بالنسبة إلى «إسرائيل» وداعميها.
إذاً، نحن أمام خطواتٍ أميركيةٍ من المُتوقع لها أن تزيد النار اشتعالاً في المنطقة، وأن تَضَعَ المزيد من العراقيل التي مازالت تُعيق أصلاً اقلاعِ عمليةِ «التسويةِ» المتوقفةِ أصلاً منذ سنواتٍ عدة بفعل التعنت «الإسرائيلي» المُغطى أميركياً.
والأدهى من ذلك، أنَّ التقييم الأميركي لردود الفعل الشعبية والرسمية في المنطقة والعالم جراء الخطوات التي إتخذتها مؤخراً، غير مُهم بالنسبة لها، وفق سفير واشنطن لدى تل أبيب، ديفيد فريدمان، الذي قلّل في مقابلة أجرتها معه صحيفة «ميكور ريشون الإسرائيلية»، من أهمية الإحتجاجات العالمية بشأن قراري الرئيس ترامب (الاعتراف بالقدس ونقل السفارة)، مُشدّداً على أن «الإدارة الأميركية لن تتراجع عن موقفها بسبب التهديدات والاحتجاجات التي تفجرت في أعقاب الخطوة التي أقدم عليها ترامب».
وفي هذا الإطار، ودون أدنى شك، كان ومازال الحراك السياسي الرسمي الفلسطيني في أروقة الأمم المتحدة وكواليسها وداخل مجلس الأمن، إيجابياً على كل الصعد، وكان له أن يأخذ دفعاً متميزاً، ومفاعيل أقوى وأكبر فيما لو تم تحقيق التوافق الفلسطيني العام قبل الذهاب الفلسطيني للمنظمات الدولية، كما فيما لو تم تحقيق نقلات نوعية في تطبيق اتفاق المصالحة على الأرض بعد مضي عدة أشهر من توقيعه.
وفي هذا المشهد، وبكل تفاصيله وحيثياته، فقد بدا الموقف الأممي ومواقف عموم شعوب العالم بأسره، متعاطفاً مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ومسانداً للحراكات الدولية المؤيدة له. ولم يكن هذا التعاطف ليأتي من الهواء أو من الفراغ، بل جاء على أرضية التضحيات الهائلة والصمود الكبير الذي حققه الشعب الفلسطيني على الأرض في الداخل والشتات، خصوصاً في قطاع غزة المحاصر منذ سنوات والواقع تحت نيران الإحتلال كل يوم.
ربطاً بما وَرَدَ أعلاه، إنَّ الجديد في هذا المجال يلوح بالمرحلة التالية، في ظل الحديث المتواتر عن الصفقة المعنونة بـ «صفقة القرن»، وهي المرحلة الأهم، التي تنتظر إما نكوصاً فلسطينياً حال تمت المراوحة في المكان. وإما تحولاً جديداً في الحالة الفلسطينية، وعلى كل المستويات من أجل ترجمة ما تم رسمه في الاجتماعات الأخيرة للمجلس المركزي الفلسطيني إلى واقع عملي على الأرض، وبالتالي في بناء الاستراتيجية السياسية المنشودة، التي طالما نادت بها غالبية القوى والفصائل الفلسطينية، وفتح قوس الخيارات الفلسطينية، ومغادرة المربع الوحيد باتجاه تعدد الخيارات في ظل الأفق المسدود الذي وصلت إليه عملية «التسوية»، وفي وضع بات من المؤكد بأنه لا يمكن أن يظل قائماً إلى ما لا نهاية.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
07/02/2018
1972