+ A
A -
حب البقاء، غريزة طبيعية لدى البشر. وحب البقاء في السلطة غريزة غير بشرية لدى زعماء الطوائف اللبنانية ونوابهم.

الانسان يتكيف طبيعيا مع المتغيرات من حوله ومع الظروف المختلفة ليبقى ويستمر. وزعماء الطوائف في لبنان يتكيفون على نحو غير طبيعي مع المتغيرات من حولهم وفي كل الظروف ليبقوا في صدارة المشهد السياسي ويستمروا… وتستمــر ذريتهــم مــن بعدهم. انهم صامدون، خالدون، دهريون. لا يتقاعدون ولا يتركون مقاعدهم مهما طال الزمن لان في الشيخوخة «حكمة» يجب ألا يحرمها شعبهم. لا يتقاعدون لأن تكليفهم القيادة منزل من السماء. كلمة عيب لم ترد في قواميسهم. وكلمة انسحاب غير واردة في حساباتهم. ولا يتوانون عن جر البلد إلى اتون حروب مذهبية جديدة.
سجل الطبقة السياسية اللبنانية منذ الطائف حتى اليوم، مشبع بالنكهة الطائفية وحافل بالمآثر– المهازل اللاوطنية. ولعل المهزلة الابشع، تلك التي يشهد اللبنانيون فصولها اليوم قتل آخر أمل في ولادة صحية لمجلس اشتراعي جديد ووطن جديد.
الخطر محدق بالوطن من الجهات الاربع والدولة تنهار والثقة تتلاشى، ونواب الامة يتلهون بكل شيء الا باستشعار الخطر وتحسس المسؤولية. بارعون في التذاكي والتشاطر على ناسهم. ماهرون في نصب الفخاخ بعضهم للبعض. ويتقنون فن المكامن والتلاعب. يفصلون لكل مقاس دائرة ولكل دائرة مقاسا. يمكنهم معرفة نتائج الانتخابات قبل ان يدلي المواطنون بأصواتهم وقبل ان تفتح صناديق الاقتراع. كل ينادي على بضاعته ليحدد مطالبه. صيغ وتقسيمات ترضي طرفاً وتزعل عشرة، وكيفما قلبتها لا تجد فيها الا تعبيراً عن مصالح فئوية أو مذهبية أو شخصية ضيقة. صيغ تبقي القديم على قدمه وترفض كل جديد، لا مكان فيها لمصلحة الوطن ولا امل فيها لاحداث تغيير أو احراز تقدم ولا تساهم الا في تكريس الفرقة وبث الفتنة. صيغ عفنة تعيد الوطن إلى الوراء. هم الغالبون والمغلوب هو الوطن والدولة والشعب.
ما كان ينقص لبنان، بعشائريته وطائفيته سوى نظام التمثيل النسبي. ذلك النظام الغريب العجيب في بلد تجذرت فيه الطائفية، وحجزت لها مواقعها على مختلف المستويات، بما فيها مقاعد البرلمان ومناصب الدولة، المدني منها والعسكري. وحقاً، لم يسبق للبنانيين أن جرّبوا التمثيل النسبي، وحتى أولئك الذين قاتلوا لفرضه مختليفون على التفاصيل التي تخفي شكوكهم وهواجسهم وسوء النية في أوساطهم. وقدَر اللبنانيين، من اليوم وحتى موعد الانتخابات النيابية المقررة في مايو المقبل، أن تصم آذانهم المساجلات والمزايدات، ويملأ شاشات قنواتهم التليفزيونية صخب حملة تمويه... تلمّح بما لا تريد التصريح به.
واقع الحال أن لبنان يجعلنا نترحم على ما كان قائما عام 1975 عندما تفجّرت الحرب الأهلية- الإقليمية على أرضه وفي رأس شعاراتها تغيير النظام الطائفي. على الأقل، كان هناك: أولاً، احزاب سياسية تضم منتسبين من كل الطوائف والمناطق. وثانياً، كانت القضايا الخلافية مُعلنة وواضحة للجميع مثل مستقبل النظام السياسي وقضية الوجود الفلسطيني المسلح. وثالثاً، كان هناك نظام إقليمي عربي قادر إلى حد ما على امتصاص الصدامات ورعاية المبادرات.
أما اليوم، فيعيش لبنان حالة اصطفاف عمودي مهما قيل العكس، واللبنانيون أكثر تعصّباً وتزمتا مذهبيا مما كانوا عليه عندما تفجّرت الحرب. ثم إن معظم الأحزاب والعابرة للطوائف إما تلاشت تبخرت أو تلاشت أو صارت «أدوات أمنية». والنظام الإقليمي العربي صار في خبر كان.
وهكذا، في مايو المقبل، لن نرى جديدا في لبنان. الطبقة السياسية عينها، باقية، باقية، وتتمدد بانتخابات أو من دونها. هي قدر اللبنانيين وقد شاءها اللبنانيون كذلك. هذه الطبقة من هذا الشعب، أو من هذه الشعوب اللبنانية. فليتواضع اللبنانيون كثيراً ليكتشفوا ما صنعته اياديهم. وحدهم الهامشيون والحالمون أبرياء من تنصيب هذه الطبقة الدائمة.
بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
02/02/2018
3193