+ A
A -
عندما صدر الكتاب الجديد للمؤرخ البريطاني ستيفن روينسيمان عن الحروب الصليبية، قال في مقابلة صحفية أجريت معه إنه فكر في وضع عنوان مختلف لكتابه. وهو: «دليل الصهيونية في الحروب الصليبية».
ويرد المؤرخ البريطاني ذلك إلى أن كل وقائع الأحداث منذ قيام إسرائيل حتى اليوم تسير على خط واحد مع الأحداث التي أدّت إلى نشوب الحروب الصليبية، وقيام المملكة الصليبية في القدس، ومن ثم سقوطها.
ومع أن هذا الرأي لا يشكل أي مفاجأة للإسرائيليين، فإن الكتاب ممنوع في إسرائيل. ذلك أن أكثر ما يقلق السلطة والأحزاب السياسية والجيش الإسرائيلي هو المقارنة بين «الصليبيين» و«الصهاينة»، وبين «مملكة القدس» و«إسرائيل».
إلا أن المقارنة تفرض ذاتها من خلال الوقائع التالية:
أولاً: جاء الصليبيون، وكذلك الصهاينة من الغرب وبدعم منه.
ثانياً: وجد الصليبيون، وكذلك الصهاينة في الانقسامات العربية مداخل سهلة إلى المنطقة.
ثالثاً: اعتبر الصليبيون أنفسهم «جيش الغرب» واعتبروا وجودهم في الشرق امتداداً للغرب ورأس حربة للدفاع عنه. وقد ذهب الصهاينة إلى أبعد من ذلك، حتى إن ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية قال في كتابه «دولة اليهود»: علينا أن نقيم في فلسطين قاعدة أمامية للدفاع عن الثقافة الغربية في مواجهة ما سماه «الهمجية الإسلامية». وهو تماماً ما تقوم به إسرائيل اليوم من خلال ترويج ثقافة «شيطنة الإسلام في العالم». وتصوير المجتمعات العربية على أنها معادية للقيم الإنسانية وللديمقراطية التي تقول بها الثقافة الغربية.
رابعاً: برّر الصليبيون حملاتهم التوسعية والاستيطانية في الشرق بحجة استعادة المقدسات المسيحية في القدس من المسلمين، ولذلك اتخذوا الصليب شعاراً لهم. كذلك برّر الصهاينة احتلالهم لفلسطين وتوسعهم الاستيطاني فيها وحولها بحجة تحقيق وعد إلهي لهم في إقامة دولة يهودية «مملكة الله على الأرض»، وبناء هيكل «يظهر فيه المسيح المنتظر وينطلق منه لإنقاذ العالم مما يعانيه من شرور وكوارث».
خامساً: حرص الصهاينة- وقبلهم الصليبيون- على تشجيع الاستيطان في فلسطين، وعلى حثّ الأوروبيين في الدرجة الأولى على الهجرة الاستيطانية. ولم تشمل هجرة الصهاينة الآخرين (من الولايات المتحدة، والاتحاد السوفياتي السابق) إلا بعد مرور سنوات طويلة على الاحتلال.
فالصهاينة، وقبلهم الصليبيون، انطلقوا في عملياتهم لاحتلال فلسطين من اعتبار ذلك تنفيذاً لإرادة إلهية.. الصليبيون بحجة استعادة الصليب المقدس، والصهاينة بحجة استعادة الهيكل المقدس. وفي الواقع لم يكن هناك صليب ولا هيكل. كل ما في الأمر انه كانت هناك أطماع استعمارية للتوسع والاستيطان. وهذه الأطماع وحدها هي «المقدس» لديهم.
من أجل ذلك حرص الإسرائيليون على تحقيق ما عجز عنه الصليبيون بقطع طريق التواصل بين عرب افريقيا مصر تحديداً وعرب آسيا ( سوريا والعراق والأردن والساحل اللبناني)، وذلك أثناء حرب 1948 وما بعدها. فقد أدرك الصليبيون من قبل– وأدرك الصهاينة اليوم أيضاً- أن التعاون التكاملي بين جناحي عرب آسيا وافريقيا هو بمثابة «سيف ديموكليس» المعلق فوق رأس الكيان الصليبي السابق والصهيوني الحالي.. ولذلك حاول كل منهما إقامة حاجز عسكري احتلالي يحول دون تكامل الجناحين. أما موقع هذا الحاجز فهو المنطقة التي تعرف اليوم باسم إيلات على البحر الأحمر.
كانت مصر وإسرائيل توقعان في رودس في عام 1949 على اتفاق الهدنة، عندما استغلت إسرائيل شعور الاطمئنان الأردني والمصري، وبادرت إلى احتلال هذه المنطقة التي فشل الصليبيون في الوصول إليها. وكان ذلك ترجمة عملية لأول درس صهيوني في الحروب الصليبية.
وإذا كان الصليبيون قد تعلموا من نجاحات وحتى من إخفاقات الصليبيين من قبلهم، فإن مما يبعث على الألم الشديد أن العرب والمسلمين لم يتعلموا الدرس الأساس وهو أن وحدتهم هي التي قضت على المملكة الصليبية وأجهزت عليها، وانه من دون هذه الوحدة التعاونية، عبثاً التخلص من أذرع الأخطبوط الصهيوني التي تمتد في كل اتجاه.
مع ذلك فإن ثمة أمراً أساسياً يلتقي عليه الاحتلالان الاستيطانيان الصليبي والصهيوني، وهو أن كلاً منهما لم يعش يوماً واحداً من دون خوف وقلق. كانت هناك دائماً مقاومات للاحتلال، وكانت هناك معارك وحروب متقطعة إلى أن حُسم الأمر على يد صلاح الدين الأيوبي.
لم يكن صلاح الدين- الكردي- محرر القدس وفلسطين فقط، كان موحد العرب أيضاً في معركة التحرير.

بقلم : محمد السماك
copy short url   نسخ
01/02/2018
3898