+ A
A -
اتدرون اين تكمن المأساة ياسادة؟ أتدرون ماذا يفعل أشقاؤنا في السعودية والإمارات والبحرين؟ اتدرون أي نوع من الجريمة يرتكبون بحق المستقبل والاجيال القادمة؟ القضية ليست إغلاق الحدود أو المجال الجوي أو المياه الإقليمية.. المشكلة ليست مقاطعة الطيران القطري وقطع العلاقات الدبلوماسية. القضية اكبر من ذلك كله، القضية تتمثل في صياغة «ذاكرة الكراهية» ووضع شروطها التاريخية لإقامة مجتمع الكراهية مستقبلا، من يتابع الحملات الاعلامية والتلفيقات الصحفية في التليفزيون أو في وسائل الاتصال الاجتماعي يدرك بلاشك وقوع الاخوة في السعودية والإمارات والبحرين في خطيئة كبرى وهي كما قلت صياغة مشروع الكراهية لأبناء المنطقة، ويبدو أن فشل الحصار قد أثّر على النفوس فآثرت أن تنتقم من الشعوب بإذكاء روح الكراهية بينهم والتضحية بالاجيال وبالمستقبل في سبيل عدم الاعتراف والمكابرة.
لا نعي التاريخ ولا نستفيد من احداثة، بالأمس القريب، اسبانيا الديمقراطية اليوم، أتعرفون كيف تجاوزت حروبها الأهلية التي استمرت طويلا منذ اواخر الثلاثينيات حتى عام 75؟ أتعرفون كيف أنقذت أجيالها من ذاكرة الحرب والدمار والانتقام؟ لقد توافق أهل العقل والادراك فيها في عام 77على صياغة ما يسمى «ميثاق النسيان» عززته قوانين إعفاء للعديد من مسببي الكراهية ومرتكبي العنف، نعم حصل هروب جماعي من ذاكرة العداء والحرب من أجل المستقبل واجيال المستقبل، وتأسيس ذاكرة جماعية جديدة، حتى عام 2007 حيث سمح بكتابة الروايات وسمح للافراد والعائلات بامتلاك ذاكرة فردية خاصة عن حرب الكراهية التي قُضي فيها على نحو مليون إنسان. بعد أن استقر المجتمع وجرت عملية دمقرطة له فصل بواسطتها بين الماضي والحاضر وبين التاريخ كأرشيف والتاريخ كتعايش. هذه إحدى تجارب التاريخ للقضاء على الكراهية، إخواننا اليوم في السعودية والإمارات والبحرين يعملون جاهدين في زرع بذور الكراهية بين شعوبهم والشعب القطري دونما إدراك لذلك، وحسنا فعلت قطر باستصدار بيان بعدم الرد على الكراهية بكراهية مماثلة والارتفاع بمستوى الشعوب عن تكوين ذاكرة سلبية فيما بينها وحتى التجاوزات القليلة التي حدثت جرى تصحيحها. اليوم الشعب الخليجي يشعر بحالة من «النوستالجيا» «الحنين» لأبائه من المؤسسين لمجلس التعاون، أولئك الذين زرعوا التعاون والحب، اليوم يشعر المواطن الخليجي بعد كل هذه الاحداث بحالة يرى معها أنه مجرد «عابر السبيل» يرى التفكك بعينه ويسمع عبارات التفرق والتشتت بأذنيه، نحن كشعوب لا نملك مكانا آخر غير أرضنا، نحن الشعوب لا نملك أرصدة خارج نطاق بلداننا ونحن كشعوب لا نملك ذاكرة أخرى تتسع للكراهية والحقد ولا تزرعوا بإعلامكم الكراهية بين شعوبنا وقبائلنا وعائلاتنا، اتركوا لأجيالنا الذاكرة، ذاكرة الخليج الواحد، ذاكرة المصير المشترك، يكفيكم أنكم تستنزفون خيرات الشعوب المادية فلاتأتوا على ذاكرتها حتى لا تصبح أجيالكم أول من يدفع ذلك. نصيحة للمسؤولين في السعودية والإمارات والبحرين، لن تستطيعوا عزل الشعب القطري، وشعوبكم متعاطفة معه حتى بعد قوانينكم الجائرة بحق الانسان وحقه في إبداء مشاعره وعواطفه، الذي سيسجلها التاريخ بتواشيح من السواد عليكم، سيذهب الحصار وستبقى ذاكرته، من الأفضل لأجيالكم أن ترحل ذاكرته برحيلكم المادي، لذلك يبدو الحل فيما أعتقد في الشروع بإيجاد «ميثاق نسيان» بعد هذه الأزمة يعبر بالمنطقة وشعوبها من بؤس الذاكرة التي تعيشه.
بقلم : عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
31/01/2018
2884