+ A
A -
المعضلات الثلاث للاستراتيجية الأميركية والتي ذكرناها في المقالة السابقة وهي «صعوبة استعادة أميركا ما كانت عليه من معدلات نمو مرتفعة، وعدم إمكانية شن الحرب لفرض الهيمنة الأميركية الاقتصادية اضافة إلى معضلة التداخل في العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة» إنما هي مستمدة من تزايد عجز القوة الأميركية اقتصاديا وعسكريا في استعادة هيمنتها الأحادية على العالم من ناحية، ومن عدم استعداد أميركا تقبل حقيقة أن العالم تغير وأن موازين قوى دولية جديدة فرضت توازنا جديدا يفرض عاجلا أن آجلا تشكيل نظام دولي يقوم على تعددية الأقطاب.
ورفض واشنطن الإقرار بهذه الحقيقة ووضعها استراتيجية تقوم على التصعيد مع روسيا والصين واعتبارهما عدوا يدفع العالم إلى مرحلة جديدة من الحرب الباردة تتميز بالسخونة في الكثير من مناطق الصراع، لكنها حرب ستبقى بطرق غير مباشرة وسقفها محكوم بتوازنات القوى المحلية التي هي التي تقرر النتيجة التي ستنتهي اليها.

إلى جانب المعضلات المذكورة هناك معضلة جديدة برزت في قلب أميركا وهي سعي الرئيس دونالد ترامب إلى استعادة هوية أميركا التي تعود إلى الآباء المؤسسين بالاعتماد على البيض الذين كانوا طبقة الأغنياء أسياد أميركا ويعتبرون السود مجرد عبيد، وهو طبعا ما تسبب باندلاع حرب أهلية طاحنة كلفت البلاد أكثر من 600 ألف قتيل، وعلى الرغم من أنه قد جرى إلغاء قوانين التمييز العنصري إلا أن الممارسات العنصرية لم تنته بعد من عقلية رجال الشرطة الذين أقدموا مؤخرا على ارتكاب أعمال عنصرية مشينة ضد مواطنين سود وأدت إلى اندلاع موجة غضب. هذه السياسة التي اعتمدها الرئيس دونالد ترامب في حملته الانتخابية، وبعد وصوله إلى البيت الأبيض، ولدت انقساما عموديا في أميركا وأثارت موجة انتقادات واسعة في الشارع الأميركي، وأدت إلى خسارة الحزب الجمهوري مقعده في مجلس النواب في عاصمته ولاية ألاباما حيث فاز المرشح الديمقراطي دوج جونز على منافسه الجمهوري روي مور المدعوم من ترامب مما أدى إلى حدوث زلزال سياسي هز واشنطن. وأشر إلى التحول في قاعدة الجمهوريين الذين يتخوفون من أن تؤدي فضائح ترامب التي كشف عنها مستشاره السابق للأمن القومي ومسؤول حملته الانتخابية بانون إلى خسارتهم الانتخابات النصفية للكونغرس. وإذا كانت سياسات ترامب العنصرية في الداخل الأميركي أدت إلى زيادة شعبيته في وسط البيض إلا أنه بالمقابل خسر تأييد بقية الأميركيين غير البيض وهم يشكلون نصف السكان.
إنها استرتيجية تعكس الأزمة التي تعصف بالقوة الأميركية والمعضلات التي تواجهها وتجعل سياسة أميركا في حال من الاضطراب داخليا وخارجيا.

بقلم : حسين عطوي
copy short url   نسخ
30/01/2018
2030