+ A
A -
تظهر فوضى الجهل والحيرة والارتجال التي تبدو واضحة في مسلك واشنطن، خطورة وضحالة المخططات التي تحملها واستحالة تحقيق ما تريد، بالبساطة التي تتصورها.
لا نتحدث هنا عن استحالة سطحية، ولكنْ عن »استحالة في العمق«، منذ دخول الأميركيين المنطقة بعنفوان بارز عنوانه »صفقة قرن« لا تشمل فقط تسوية المشكلة الفلسطينية - الإسرائيلية، فالعملية المتخيَّلة متعددة الرؤوس والأهداف، وتشتمل على بلدان كثيرة تضم تركيا وإيران، وما هو أبعد.
ما زالت إدارة ترامب تتصرف كما لو أن كل شيء قابل للحل السريع، ودخلت الساحة غير عابئة بتصريحات وتحذيرات أوروبية كالتي عبّر عنها وزير الخارجية البريطانية بوريس جونسون، حين أبدى قلقاً شديداً من العبث بالقدس ومركزيتها كركن أساس لتحقيق أي سلام قادم في المنطقة.
غير أن الأخطر والأهم، هو ذلك النجاح المثير الذي حققه رجب طيب أردوغان، حين تمكن من إقناع واشنطن وموسكو معاً بمباركة حملته العسكرية في عفرين ومنبج السوريتين، أو على الأقل عدم صدها، ما دامت أهداف أنقرة كما فهماها تتلخص بقطع دابر الإرهاب في شمال سوريا، ومنع مقاتلي الجانب الكردي من استخدام تلك المنطقة في تصدير الإرهاب إلى تركيا.
وإذا كان فريق البيت الأبيض يفتخر بأن أعضاءه أصدقاء كبار لنتانياهو، فإنهم لا يبذلون أي جهد لإخفاء »موالاتهم لآلهة اللبن والعسل، والوعد الإلهي الممنوح لبني إسرائيل في أرض فلسطين«، كما يعتقدون. لذلك فإنهم يطلبون من البنتاغون خطة هجومية لتصفية داعش في شمال سوريا، وأخرى لإنشاء مناطق آمنة هناك تنتشر فيها مواقع عسكرية أميركية متقدمة، كما تقول »النيويورك تايمز«.
لكن غض الأميركيين الطرف عن حملة عفرين ومنبج التركية وهي حملة تنفذها قوات سورية موالية لأنقرة، لا يعني أنهم راضون فعلاً بالكامل، رغم أنهم صدموا وهم يرون أردوغان يقنع بوتين بدعم العملية العسكرية في شمال سوريا، خاصة وأن الرئيس التركي راض بما تقوله واشنطن من أن القوات الأميركية استنفرت الأتراك الذين من حقهم أن يفتشوا عن مصلحتهم من خلال كبح جماح الإرهابيين الأكراد، ولكن بانضباط.
ما حققه أردوغان في إدلب وشمال سوريا، أعاد إلى الأذهان نظرية الشبكة المتداخلة، واحترام الروس لخبرة الأتراك مقابل محدودية الأميركيين الذين يربطون بسذاجة، قضايا كبيرة تتوزع على منطقة شاسعة تتجاوز كثيراً أراضي الشرق الأوسط والخليج، دون حتى أن يراعوا مخاطر تعقيد العلاقات بين الناتو وكل من الروس والأميركيين، والأتراك أنفسهم، وهم أيضاً أطلسيون.
يعتقد رجال ترامب أن الفرصة مواتية لمبادرة جديدة تنهي الصراع الفلسطيني مع إسرائيل وتسهل عليهم احتواء إيران أو على الأقل إضعافها، وهو هدف أثبتت الشهور الأخيرة أن واشنطن فشلت في تحقيقه، مما أغضب الرياض جداً.
ويبدو أن أنقرة نجحت في منع واشنطن من تشكيل موقف صلب وموحد لفرض عقوبات جديدة على إيران واتفاقها النووي، مما حسس طهران بقدرات تركية غير متوقعة في هذا المجال، أسعدتها بالطبع.
العالم بالفعل قرية صغيرة، ولكنْ على رجال الرئيس الأميركي ترامب، الأقل شعبية في تاريخ رؤساء بلاده، ألا يفكرا في فتح أبواب القرية دفعة واحدة. فالقضايا التي ستخرج من هناك قنابل موقوتة، ورجال الرئيس لا يمتلكون الخبرة الكافية حيالها.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
28/01/2018
2690