+ A
A -
مع عدم استبعاد تدخل باكستان في الشأن الأفغاني انطلاقا من فكرة وقوعها ضمن المجال الحيوي لمصالحها الاستراتيجية، ناهيك عما يربط شعبي البلدين المتجاورين من أواصر القربى والثقافة والتقاليد القبلية المشتركة، فإن الجديد هو ما يتردد عن وجود تدخل إيراني في هذه البلاد الفقيرة المنهكة من الحروب الطويلة والنزاعات القبلية والجهوية.
وإيران ترى أنها صاحبة حق في تشكيل مستقبل هذه البلاد كونها ساعدت واشنطون في عام 2001 بطريقة غير مباشرة على الإطاحة بنظام طالبان سيء السمعة. لكنها اليوم، طبقا لمصادر عديدة، باتت تدعم بقايا الطالبانيين (رغم ما بين الطرفين من خلافات أيديولوجية وكراهية وأحقاد مذهبية). ويأخذ التدخل الإيراني في أفغانستان أشكالا وصورا مختلفة لكل منها أهداف محددة وإنْ صبت في النهاية في هدف أسمى هو الحيلولة دون استقرارها كيلا يتخذها الأميركيون منصبة لتهديد نظام جمهورية إيران الإسلامية.
فمن أشكال تدخل طهران ــ بحسب المراقبين ــ تقديم المساعدات العسكرية والمالية والطبية والنفطية لبقايا حركة طالبان مع توفير الملاجئ الآمنة لهم داخل الأراضي الإيرانية خلال عمليات الكر والفر التي يقومون بها ضد حكومة كابول والقوات الأميركية.
ومن ناحية ثانية يتوغل الإيرانيون داخل الولايات الأفغانية المتاخمة وغير المتاخمة لحدودهم لنشر ثقافتهم وأفكارهم بقصد تشييع المزيد من الأفغان كي يكونوا سندا لمشاريع طهران. ويتجلى هذا التوغل في صورة بناء المدارس والمكتبات وتوزيع المطويات الثورية وافتتاح المتاجر المروجة للمنتج الإيراني من الحلويات والمكسرات واستمالة الأفغانيات لارتداء التشادور الإيراني بدلا من الملابس الأفغانية، تساعدهم في ذلك اللغة المشتركة، حيث أن الأفغان البشتون يتحدثون لغة «البشتو» القريبة من الأوردية، فيما يتحدث الآخرون اللغة الشبيهة جدا للفارسية.
وفي السياق نفسه كشف مسؤولون حكوميون أفغان عن تسلل فرق اغتيالات وتجسس إيرانية إلى داخل صفوف الشرطة ودوائر الحكومة في المحافظات الأفغانية الغربية بقصد جمع المعلومات.
ومن جهة ثالثة يـُقال أن طهران تتساهل مع شبكات زراعة الأفيون الأفغانية وقنوات تصديره غير الشرعية إلى الخارج والتي تديرها حركة طالبان، كي يتوفر للحركة ما يعينها على مواصلة إقلاق مضاجع كابول وواشنطن.
إن الأدلة والبراهين التي تثبت تعاون جهات في النظام الإيراني مع حركة طالبان بهدف تمتين النفوذ الإيراني داخل افغانستان أكثر من أن تـُحصى. لكننا سنتوقف هنا أمام دليلين فقط: أولهما ما صرحت به الشرطة الأفغانية العام الماضي من أنها أوقفت خلال 3 سنوات نحو ألفي شخص في عملياتها لمكافحة الإرهاب في مقاطعة هرات وأنه تبين بعد التحقيق معهم أنهم مسلحون ومجرمون يقيمون مع عائلاتهم في إيران وأنهم يتسللون إلى افغانستان بأوامر إيرانية لضعضعة الأمن والاستقرار.
أما الدليل الآخر فهو تدمير القوات الأميركية في غارة بطائرة درون من غير طيار في مايو 2016 سيارة كانت تسير على الطريق السريع الرابط بين مدينة «أحمد وال» في بلوشستان الباكستانية والحدود الإيرانية. وقد تبين أن راكبها القتيل هو قائد حركة طالبان وقتذاك الملا اختر محمد منصور الذي كان عائدا إلى مقره في بلوشستان الباكستانية بعد رحلة له إلى طهران قيل أنه إلتقى خلالها المرشد الإيراني الأعلى ومسؤلين أمنيين إيرانيين وروس بهدف بناء تحالفات جديدة لتقويض حكومة كابول المدعومة من الغرب والولايات المتحدة. وبعبارة أخرى كشف مقتل الملا منصور عن المزيد من خفايا التدخلات الإيرانية في أفغانستان التي ظل الإيرانيون ينفوها على الدوام بحجة أنهم وطالبان أفغانستان على حدي نقيض في التوجهات والأهداف والايديولوجيات.
بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
28/01/2018
2262