+ A
A -

- 1 -
قبل سنوات في عهد الرئيس الليبي معمر القذافي، قامت السلطات الليبية بترحيل عدد من السودانيين إلى مطار الخرطوم «بملابسهم المنزلية»، دون أن تسمح لهم بترتيب أوضاع أسرهم الصغيرة ولا بارتداء ما يستر حالهم من أنظار الأحباب والمستفسر!
كان ذلك مشهداً آخر يضاف إلى مشاهد متكررة بدأت بمذبحة الزاوية الليبية التي راح ضحيتها عشرات السودانيين في لحظات هياج وفوضى عارمة.
مشاهد لا تقل قسوة ولا بربرية، درجت عليها السلطات الليبية في عهد القذافي في التعامل مع المقيمين السودانيين بأراضيها.
-2-
في تلك السنوات نقلت الصحافة السودانية صور أعداد من السودانيين تم ترحيلهم من ليبيا على وجه المباغتة والفجأة، وحينما هبطت الطائرة بمطار الخرطوم اعتصموا داخلها وانخرطوا في بكاء جماعي مرير، كأنهم أطفال صغار، افتقدوا حماية الأسرة ونصرة الأهل والوطن.
سقطت دموعهم لتلتقطها عدسات المصورين، كان ذلك لهوان وضيم لحق بهم في مهاجر الصحراء، التي ما كانوا ليذهبوا إليها لولا أن ضاق عليهم الوطن الأخضر -بما اتسع من أميال- حينما أصبح رزق أبنائهم عصي المنال..!
دموعهم التي بللت الصفحات الأولى بصحف الخرطوم.. لم تجد وقتذاك قيمة للصعود في بورصة السياسة.. فحسابات ساس يسوس كانت لا تسمح بذلك..ودبلوماسية الصمت تعودت أن تمتص جرعات الاستفزاز المتتالية من نظام القذافي!
وثمة أمر محزن ومؤلم وموجع في كثير من القضايا ذات الصلة بالجماهيرية الليبية في عهد القذافي، إذ تجد أن الحكومات السودانية يصعب عليها أن تعبر عن احتجاجها أو غضبها من تصرف تم أوتصريح قيل أو موقف اتخذ، لذا ظلت وقتذاك تختار الصمت العاتب على المواجهة الصريحة.
-3-
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام مشاهد تعذيب مريع قامت بها مليشيات ليبية ضد مجموعة من السودانيين.
الحادث الأخير أعاد للذاكرة السودانية تلك الأحداث والوقائع التي كانت تحدث في فترة حكم معمر القذافي.
قبل أسابيع من الحادث الأخير صُدم العالم بالفيديو الذي بثته قناة «سي أن أن» الأميركية عن عملية بيع لمهاجرين غير نظاميين أفارقة من بلدان جنوب الصحراء، وأثار سخطاً على الصعيد الرسمي والشعبي ودعوات إلى محاكمة الفاعلين.
-4-
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها السودانيون في ليبيا للاختطاف والمطالبة بفدية مقابل إطلاق سراحهم فقبل الحادثة الأخيرة تم تحرير سوداني كان بأيدي عصابات ليبية.
الشباب الذين تم اختطافهم انتقلوا إلى ليبيا منذ يوليو العام 2017م لأجل العمل واستقر بهم المقام في منطقة أجدابيا، ورغبةً في البحث عن عمل أفضل قرروا الانتقال لمدينة طرابلس عبر مجموعة تقوم بنقلهم من نقطة تسليم إلى أخرى.
كان ذلك يوم الجمعة 12/1، وعند وصولهم النقطة الأخيرة قرروا ابتزازهم وأخذ ما معهم من أموال وعندما لم يجدوا بحوزتهم المال اختطفوهم ليمارسوا بعدها ابتزاز أهاليهم.
-5-
عمليات الاختطاف والابتزاز أصبح لها رواج وسوق واسع في ليبيا خاصة وأن ظروف عدم الاستقرار وانتشار المليشيات وفر مناخاً مناسباً لهذه الانشطة الإجرامية.
ما كان الوضع ليصل إلى ما وصل إليه من اضطراب وفوضى لولا كثرة الأصابع التي تعبث بالمعادلات السياسية والأمنية في ليبيا.
ستظل الأحداث المأساوية بالأراضي الليبية متكررة، طالما أن أمثال اللواء المتقاعد خليفة حفتر يجدون الدعم والإسناد من قوى إقليمية تسهم بدعمها وغطائها في خلق مناخ مواتٍ للأعمال الإجرامية.
-أخيراً-
سيدرك العالم قريباً، لن تحقق الجهود الدولية لمحاربة تجارة البشر أوتهريبهم عبر ليبيا إلى أوروبا نجاحاًً على كل المستويات، طالما أن الوضع الأمني في ليبيا تؤثرعليه العصابات، والمجموعات التي تريد أن تفرض سلطتها بقوة السلاح لا بصناديق الاقتراع.

بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
28/01/2018
2590