+ A
A -
لعل البعض يلتبس عليه الأمر عند قراءة عنوان هذا المقال، لا بأس، فجميعكم يعرف معنى الاستعراض من فراغ، وهو بالضبط ما تقوم به «الفاشنستا»، وهي لفظة قديمة وتعود لعشرين عاماً تقريباً، والأصل في التسمية (المسبوكة من كلمة إنجليزية ولاحِقة إيطالية) أن تُطلق على المتعلّقين بآخر طرازات اللباس أو الموضة، وهي ظاهرة أقدم من هذه الكلمة بطبيعة الحال، لكن منذ بضع سنين في عالم وسائط التواصل الاجتماعي اكتسبت الكلمة معنى جديداً وذا زخم، ولأنها مهنة من لا مهنة له فمن يمتهنها بات يفضل أن يُقال عنه شخصية مؤثرة كنوع من «البرستيج» وصبغة احترام لما يقوم به.
ولأن الأساس في مسألة «الفاشنستا» هو الشُهرة والشعبيّة والحظوة لدى الجماهير التي تجد متعة من فراغ هذه العقول فتتبعها، فالسؤال: كيف أمكن أن يقبل كل هذا الجمهور ما تفعله «الفاشنستا»، بل ويتأثر به؟ ولعل الجواب: هو قوة الصورة والتأثير البصري؛ فحاسة البصر لدى الإنسان حاسة بدائية وفورية ولا تحتاج إلى ترجمة، والصورة يمكنها أن تشلّ قدرات الإنسان العقلية لوقت ما بعكس السمع الذي يحتاج لإنصات وعرض على العقل ليفهم وبعكس القراءة التي تحتاج إلى عمليات أكثر تعقيداً لأن فيها تجريداً، والفئة المستهدفة، على ما يبدو، ليس لديها الوقت لا للإنصات ولا لتُتعب عقلها بالتفكير، لذلك تكتفي بالنظر لتتغير المألوفات حتى القيم تتغير ويصير المبذول مقبولاً ويصير العيب عادة ظريفة.. نعم، وعجبي.
ولعل المتابع لهذا العالم المليء بتافهي العقل يعلم أنهم فئة ثقافتها في الحياة لا تتعدى الاستعراض عبر وسائل التواصل لتحقيق النجومية، وأقصى ما يمكن أن يتحدثوا فيه آخر موضة في ألوان الشعر وأبرز خطوط الموضة في الأزياء وأهم ماركات الماكياج، حتى بات من يتابعهم بجنون يرتدي ما لا يليق به فقط؛ لأن «الفاشنستا الفلانية» كانت تلبس ذلك أو تستعرض بذاك، متجاهلين المعلومة الأهم في الموضوع أنهم يتقاضون مبلغاً للاستعراض وإن خالف ذلك العقل، أو كان ما يستعرضونه بعيداً عن الذوق العام أو القبول البصري على الأقل، وليتهم يستخدمون ثقافة الاستعراض بما هو جيد على الأقل، ولكن يبدو أن الأمور الجيدة لا توفر الشهرة والمال لهؤلاء والمصيبة الكبرى من ذلك هنا هم «فاشنستا» انتشروا مؤخراً في تخريب العلاقات بين الدول وزج
أنفسهم في معترك سياسي لا يفقهون فيه شيئاً لينفضح أمرهم، ونراهم أراجوزات هنا وهناك ترتدي ألسنتهم أقبح المفردات ويتعاملون بأسوأ ما يمكن أن يخرج من بشر، والأدهى من يتبعهم تماماً كالذي يتبع تلك «الفاشنستا»، بغض النظر عن الذي تقدمه، وبصراحة عجبي.
وكما حدث فقد وجد المجتمع أنّ الأمر خرج عن يده، وصارت «الفاشنستات» تحل وتربط وتفرض قوانين المظهر العام الذي بات منظراً مزعجاً للنظر ومسيئاً للمجتمع؛ فقد صرخ العموم صرخة استغاثة بأن أجيرونا من هذه الفئة التي تسعى لفرض نفسها كشخصيات مؤثرة، ولكن يبدو أن الأوان فات، لكن علينا أن نتذكر النصيحة الثمينة القائلة: «أميتوا الباطل بالسكوت عنه». والسكوت هنا ليس السكوت عن إنكاره بالقلب أو اللسان واليد بل السكوت عن إثارة الضجة حوله وهي الضجة التي تخدم تلك الضجة التي تأتيه كل يوم بوجبة من المتابعين بإعجاباتهم وتعليقاتهم، إنهم «فاشنستا» الحصار الذائبون في مواقع التواصل لوضع هاشتاق مسيء أو بث سموم الإهانة لحاكم دولة أو إلصاق التهم بدولة أسمى ما تريده لنفسها الحفاظ على سيادتها والسمو باسمها وأخلاق شعبها، هذه الفئة التي خرجت علينا لتعتاش على وحل لا أخلاقي ومستنقع يُفرز يوماً بعد آخر طوال فترة الحصار مالا يخطر على بال وما لم يكن متوقعاً؛ فالحقد ملأهم حتى فاضت أنفسهم بمحاولة نهب الثروات وسحق سيادة البلاد، ولكن الله وحكمة أمير البلاد تقف أمام أطماعهم بالمرصاد.
وبما أن «الفاشنستا» لم تحتج لموهبة خاصة أو دراسة متخصصة لتغدو نجمةً تحرّك قلوب الملايين وتدير رؤوسهم وتصنع قناعاتهم وتفرغ جيوبهم، فإن «فاشنستا الحصار» من الشخصيات المحشوة عقولهم فتنة ونفوسهم مليئة بالأطماع هم أيضاً أقل ما يُقال عنهم: «عقل فاضي وتربية متردية»، يستعرضون أسوأ ما تعلموه في مواقع التواصل سباباً وشتائم، بل وكذباً متقناً لكن حباله قصيرة، فلكل «فاشنستا» ظهر في الحصار مستعرضاً عضلات تربيته وأخلاقه أقول أعانكم الله على ما ابتلاكم ولنا أعيدها دوماً: للعلا يا موطني.

بقلم : ابتسام الحبيل
copy short url   نسخ
27/01/2018
3221