+ A
A -
منذ تسلم حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا، تعاني العلاقات التركية-الأميركية من أزمات متلاحقة، مردّها إلى تغيُّر طبيعة العلاقة بعد انتهاء الحرب الباردة، وتبدل نظرة تركيا لمكانتها ودورها في الإقليم والعالم. إذ لا يبدو أن واشنطن تتفهم المتغيرات الحاصلة في الطرف التركي، أو تقبل برغبة أنقرة في ندّية العلاقات بينهما واستقلالية قرار سياستها الخارجية.
اليوم، لم يعد ما يحكم العلاقة تبعية أنقرة لواشنطن خلال الحرب الباردة، ولا الشراكة الاستراتيجية المعلنة في 1995، ولا الشراكة النموذجية والحديث عن «النموذج التركي» على لسان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، بل التوتر الدائم والأزمات المتفاقمة. ويبدو أن الأكراد شأن الأميركيين يرفضون إدراك أن كل دولة سيدة لا يسعها أن تقف موقف المتفرج حين وقوع تغيرات كبيرة على طول حدودها، وألا تشعر بأنها مهددة.
والحلم ببروز دولة كردية مستقلة على الحدود السورية هو كابوس في عين قادة تركيا وسياسييها كلهم ولا فرق هنا بين معارض وموالٍ. ولا يُنظر إلى هذه المسألة على أنها خطر خارجي فحسب فهي، كذلك، مسألة داخلية. ويزعزع بروز إدارة كردية ذاتية في شمال سوريا استقرار مناطق يسكنها الأكراد في تركيا. ويثير الدعم الأميركي السياسي والعسكري لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية غضب المسؤولين الأتراك. فقد فاقمت قضية التسليح الأميركي للأكراد وتدريبهم وإنشاء قوة حدودية منهم من 30 ألف رجل الخلاف المزمن بين تركيا والولايات المتحدة؛ فأنقرة ترى في ذلك تهديدا لأمنها القومي، وطالما قالت إن هذه القوات هي امتداد لحزب العمال الكردستاني، وإن جزءا من هذا السلاح يصل إليه.
هذا الاستفزاز الأميركي لتركيا الذي وصفته أنقرة باللعب بالنار وهددت بالرد عليه بالمثل، هل يحول شمال سوريا إلى ساحة صدام مباشر أو بالوكالة بين الأتراك والأميركيين؟ وهل تُشهر الأسلحة بين الجيشين الحليفين في شمال الأطلسي؟
في الواقع، بين الرغبة التركية في وقف التسليح الأميركي للأكراد وإعادة الدفء إلى العلاقة مع واشنطن، وبين توجه الأخيرة إلى اتباع استراتيجية جديدة في مرحلة ما بعد داعش، ثمة سوء تقدير تركي لفهم طبيعة السياسة الأميركية تجاه الوحدات الكردية، إذ من الواضح أن التصريحات الأميركية لا تصب في اتجاه الوقف النهائي لدعم هذه القوات، بقدر ما تبحث عن رؤية جديدة للمرحلة الجديدة في سوريا.
ويبدو أن التخلي الأميركي عن الكرد في سوريا غير منطقي من وجهة نظر الحسابات الأميركية، خاصة إذا ما عملنا أنهم (أي الكرد) يعدون الحليف الوحيد للإدارة الأميركية في سوريا، وتشكل مناطقهم قيمة استراتيجية في مواجهة المحور الروسي الإيراني مع النظام السوري، إذ إن التخلي عن الكرد يعني أن المشروع الإيراني بات يسيطر على معظم الأراضي السورية، ومثل هذا الأمر له امتدادات إقليمية تتعلق بفتح ممر جغرافي متصل يمتد من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق. لكن المنطق الأميركي هذا لا يستقيم مع الحسابات التركية التي تقوم على منع إقامة كيان كردي بسوريا يؤثر على أمنها القومي، ولعلها تعتبر مسار أستانا التفاوضي منفذا لتعطيل المشروع الكردي، خاصة أن عملية إدلب وضعتها أمام إمكان ضم عفرين لحدود هذه العملية، لقطع طريق المشروع الكردي الساعي للربط الجغرافي للقطاعات الكردية وصولا للبحر الأبيض، وهو ما قد يعني رسم خريطة جديدة لأنابيب الطاقة في المستقبل.
وعليه؛ فإن المقاربة الأميركية القاضية بمواصلة الدعم للكرد ستبقى موضع جدل بين رؤوس الإدارة الأميركية على شكل تباين في الحسابات أولاً، وبين هذه الإدارة وتركيا من جهة ثانية على شكل فهم للمخاطر التي تؤثر على ثوابت العلاقة بينهما. ويبدو أن حصول تطور نوعي في مسار هذا الجدل مرتبط بتطورات الأزمة السورية نفسها وشكل حل هذه الأزمة، مما سيجعل الخلاف الأميركي - التركي بشأن دعم كرد سوريا مستمرا.

بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
26/01/2018
2632