+ A
A -
الصورة الواضحة للعيان، أن إرهابيي داعش الذين فروا من دولتين عربيتين – سوريا والعراق– قد اختاروا ملاذا آمنا لهم أرضا عربية – ليبيا– كما يدفع للتساؤل: لماذا أرض العرب بالذات هي المستباحة، لتواجدهم وإدارة نشاطهم الدموي غير الإنساني؟.
الشواهد تؤكد أن كل ما هو متاح لهم من حرية الحركة، والدعم المالي والتسليحي، والمعلومات، وبعضها يأتيهم عن طريق أقمار صناعية، هو شيء خارج عن قدرة هذه المنظمات على تحريك منظمة الإرهاب منفردة، وأن وراءها أطرافا خارجية، كانت لها منذ سنوات مخططات معروفة ونشرت تفاصيلها في بلادها، لتفتيت العالم العربي، وإغراقه في الصراعات. ولما كانت منظمات الإرهاب تطور نفسها، ألا يحتاج ذلك إلى رؤية استراتيجية عربية لمفهوم الأمن القومي الجماعي؛ وبعد أن انزاح الخط الفاصل بين الأمن والسياسة، وتداخلت كل منهما في الأخرى.
ومن واقع مشاركتي كعضو في المجلس المصري للشؤون الخارجية، في نشاطات المجلس، فقد كان هناك تركيز في أجندة مؤتمره السنوي الذي عقد يومي 23 و24 ديسمبر 2017، بعنوان «العلاقات المصرية الإفريقية: نحو آفاق جديدة» على ما يدور الآن داخل منظمات الإرهاب وعرض خلاله حوالي ثلاثين من الخبراء، أوراق عمل على مدى هذين اليومين، خصص ستة متحدثين منهم أوراقهم لظاهرة الإرهاب وتطورها. ومع تعدد زوايا الطرح التي عرضها كل منهم، إلا أن ذلك كله كان يرسم بشكل متكامل صورة واضحة المعالم، لتحور النشاط الدامي الإرهابي في العالم العربي.
واتضح أن الثقل التنظيمي لداعش، وفي محاذاته لتنظيم القاعدة، قد انتقل إلى ليبيا، حيث ذكرت تقارير غربية، أن للمنظمتين امتدادا في إفريقيا، يتمثل في بوكو حرام التي تعد امتدادا لداعش الموجودة الآن في ليبيا، وأن منظمات أخرى في إفريقيا، خاصة في منطقة الساحل والصحراء مرتبطة بالقاعدة، والتي نقلت هي الأخرى نشاطها إلى ليبيا. كما سبق أن انضم تنظيم صومالي إلى داعش، بالإضافة إلى ارتباط منظمة الشباب في الصومال، بالقاعدة.
إن داعش خرجت أصلا من قلب تنظيم القادة، ومن المحتمل أمام الضربات التي تلاحق الاثنتين في كل مكان، أن تعود المنظمتان إلى الالتقاء تحت مظلة تنظيم مركزي واحد. مع ملاحظة أن الاثنتين مرتبطتان بالحراك المشترك، مع منظمات الجريمة المنظمة، التي تسهل لهما تمويل عملياتهما، من تجارة المخدرات والسلاح، وبيع ما يتم استيلاؤهما عليه من ثروات البلاد التي تقتحمان أراضيها.
معنى ذلك أنه في حالة لجوء التنظيمات الإرهابية إلى تطوير هياكلها التنظيمية، فإن الاحتمال قائم، في إيجاد خريطة إرهاب متغيرة، مركزها الرئيسي ليبيا، وامتداد ساحتها إلى إفريقيا.
وطبقا للتقديرات الدولية فإن ليبيا بها 62 فصيلا مسلحا، تستحوذ على ما تم الاستيلاء عليه من مخازن أسلحة القذافي، وتستفيد من غياب سلطة مركزية سياسية واحدة، تتولى إدارة شؤون الدولة، في كافة أرجائها، وهي تنظيمات تضم عناصر من جنسيات غير عربية.
وكما ذكر مسؤولون أميركيون وأوروبيون فإن من انضموا إلى داعش ينتمون إلى 85 دولة، بعضهم موجودون خارج سوريا والعراق، وغالبيتهم في ليبيا الآن، ومن بينهم عناصر من 20 دولة إفريقية.
ولما كانت مصر حسب منطوق خطة تفتيت الدول العربية، هي «الجائزة الكبرى»، التي تكلل بها خطوات هدم أنظمة عربية أخرى، وذلك حسب التعبير الذي قيل في اجتماع اللجنة السياسية الاستشارية بوزارة الدفاع الأميركية برئاسة ريتشارد بيرل الذي كان مساعدا لوزير الدفاع عام 1996، فإن ما يجرى في ليبيا من حشد إرهابي يركز أنظاره على مصر، ويعتبر سيناء تحديدا هدفا له.
إن المخاطر لا تقف عند حد استهداف مصر، بل أن عيون الإرهاب تضع أنظارها على مختلف أجنحة الأرض العربية، وهو ما يظهر من توسيع أنشطتها التخريبية إلى مختلف الدول العربية، خاصة الخليجية.
وعلى سبيل المثال فإن توجه تنظيم الشباب الصومالي للانضمام إلى داعش، إنما يعنى أن هناك خطرا يستهدف باب المندب، يعززه طموح الحوثيين في اليمن في الوصول إليه، وهو ما سبق أن لوح به الحوثيون عن استهدافهم باب المندب.
إن خطورة ما يجرى الآن على جزء من الأرض العربية في ليبيا، يحكمه عاملان، أحدهما التلاقي بين المنظمات الإرهابية، بحكم مرجعيتها الفكرية، والأيديولوجية الواحدة – رغم أي اختلافات تكتيكية – والثاني أن الفاعلين في ليبيا ليسوا هم المحرك الأصلي لنشاطات هذه التنظيمات، لأن الممارسات الإرهابية، وخلفياتها، تظهر بما لا يخفي على أحد، أن أجهزة مخابرات غربية كانت ضالعة منذ سنوات في مخططات إشعال الفوضى والصراعات الداخلية، في طموح جنوني لهدم الدولة الوطنية.

بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
24/01/2018
2524