+ A
A -
•غـريب أن يكون الفلاحـون الأميون أفضل نطـقاً من الكتاب الجامعيـين. قرأت لأحدهـم «طبائع البهائم مختلفة والبعض منها شموص» وتذكرت أن العامة في بلدتنا الصغيرة كانوا يقولون «هذه البغلة شموس» (بتسكين الشين) أي لم تروض. قال المعجم: الشمِس والشُموس من الدواب : الدابة إذا نخست لا تستقر، وشمَست الدابة فهي شموس إذا شردت، ويقال أيضاً رجل شموس أي صعب الخلق، وكأن ابن منظور كان يخاطب هذا الكاتب حين قال «ولا تقل شموص».
•لم أقرأ كلمة «يافطة» منذ فترة ليست قصيرة، وظننت أن الـلـه سبحانه وتعالى هدى الكتاب جميعاً إلى الصواب، وتوقفوا عن هذه الغلطة الشنيعة. «يافطة» اسم فاعل مؤنث من الفعل «يفط» مثل: قتل قاتل وقاتلة، ضحك ضاحك وضاحكة، برَع بارع وبارعة، سرق سارق وسارقة. لكن المشكلة أن المعجم العربي يخلو من هذا الفعل، وهو يعنون بالكلمة قطعة من القماش يحملها اثنان أو أكثر وقد كتبوا عليها ما يريدون قوله. في المعجم فعل «لفت» (بثلاث فتحات). التفت إلى الشيء وتلفت: صرف وجهه إليه، وفي الحديث الشريف «فكانت مني لفتة» وهي المرة من الالتفات. ونقول: إن مما يلفت الانتباه أو النظر، أليس هدف هذه القطعة من القماش أن تلفت الانتباه إلى ما كتب عليها؟ لماذا إذن يتفاصحون ويخترعون كلمة لا أساس لها في اللغة العربية، ويبتعدون عن كلمة صحيحة فصيحة رشيقة؟
•كفاكم تعدياً على الشعر والشعراء أيها الكتاب الصحفيون. هذا كاتب يدعي أنه مترجم وصحفي منذ أكثر من نصف قرن ورسام وشاعر(!!!) يكتب عن دجلة، فيتذكر قصيدة العظيم الجواهري التي مطلعها:
حيَّيتُ سفحَك عن بُعد فحيِّـيني
يا دجلة الخـير يا أم المسـاكين
ويقفز أبياتاً ليثبت بيتاً آخر بطريقة مشوهة:
إني وردت الماء صافية
نبعاً فنبعاً فما كانت لترويني
لا يمكن أن يقول الجواهري هذا الهراء وهذا الشطر المختل عروضياً، بل هو:
«إني وردت عيون الماء صافية» وعيون الماء هي الينابيع، ولذلك قال «نبعاً فنبعاً» ولم يقل «عيناً فعيناً» رحم الـلـه أبا فرات.
• هل عيب أن يعود الكاتب إلى المعجم وهو يكتب؟ لماذا يصر بعضهم على الاتكاء على ذاكرته، وهو يعلم أنه قد يكون حفظ خطأ؟ ولماذا ينصب بعضهم نفسه «مجمعاً لغوياً» فيقع في أبشع الأخطاء؟. قال أحد الكتاب في صحيفة عربية مشهورة: تركيا التي تجد نفسها إلى جانب «صديقتها» اللدودة، والقوسان من المقالة، وهو بذلك يغمز من الكلمة. اللدود هو الشديد العداوة، وهذا التعبير الحديث «صديقه اللدود» تهكم على الصداقة الزائفة، لكن المشكلة أن الكلمة لا تؤنث، بل نقول العدو اللدود، والعدوة اللدود. وفي المعجم العربي مئات الكلمات التي لا تؤنث، والتي لا تذكر.
• قال آخر في صحيفة واسعة الانتشار «إن هذا القرار سيغضب كثيراً من الأفرقاء» فمن أين أتى بهذا الجمع؟ نعرف الفريق والفِرقة (بكسر الفاء) ولكن هذين لا يجمعان على «أفرقاء»، وإذا كان هذا الجمع صحيحاً فما المفرد منه؟ الفرقة: طائفة من الناس، والفريق أكثر منهم، والجمع فرق، وقالوا أفراق، وزاد بعضهم أن جمع الجمع «أفاريق» ولكن أحداً لم يقل «الأفرقاء».
• إني لأعجب والـلـه من هؤلاء الكتاب. أيعقل بعد سنوات طويلة من امتهان العمل الصحفي، والكتابة في صحف كثيرة وكبيرة أن يخطئ واحدهم حتى في أبسط الكلمات؟ كتب أحدهم «وهكذا بحجرة واحدة أصاب عصفورين» هذا من العامية ولم يرد في أي لغة عربية فصيحة. يقول العرب «الحجر» ولكننا لم نقرأ قبل هذا الفطحل «حجرة» وفي لسان العرب هو الصخر، ولكنه في الأعم «الصخور الصغيرة» ويجمع على أحجار وحجارة، قال تعالى «ترميهم بحجارة من سِجّيل»، ووردت كلمة «حجارة» عشر مرات في كتاب الـلـه الكريم، ولم ترد كلمة «الحجر» إلا مرتين، ووردت في الشعر العربي القديم نكرة ومعرفة، مفردة ومجموعة، نحواً من ألفي مرة، لكنني لم أقرأ كلمة «حجرة» قبل هذا الحهبذ.
• ثمة خلاف قديم (في العصر الحديث) حول كلمة «مهمة» ليس بمعنى ما يدعو إلى اليقظة والحذر (من الهمّ) فيقولون «المهم والأهم» ولكن بمعنى ما يُكلف به المرء من أعمال، فيقال «كلفه بمهمة» والخلاف حول حركات أحرف الكلمة، هل هي بفتح الميم والهاء «مَهَمة»؟ أم هي بضمِّ الميم وكسر الهاء «مُهِمة»؟ وجادلنا أحدهم مرة: لنفترض أننا سنقول «أرسله في مهمة مهمة» فكيف سنشكلها؟ واقترح يومها أن الكلمة الأولى تكون بفتحتين «مَهَمة» والثانية بضم وفتح «مُهِمة» أي كلفه بعمل عظيم الأهمية.
انتصر أحد الكتاب في صحيفة واسعة الانتشار لهذا الرأي فكتب «بل يراه مَهمة واجبة» والفتحة فوق الميم من عنده. قلنا لذلك الـ «أحدهم» ونقول الآن لهذا الكاتب وأمثاله: إن العرب لم يعرفوا هذه الكلمة بالمعنى الذي نعرفه الآن، بل كانوا يقولون: وأرسله في سِفارة، وكلفه بجمع الصدقات، وأناط به كذا، وإذا سلمنا معكم بأنها «مَهمة» بفتح الميم، فمن أي فعل جرى اشتقاقها؟
• نعود مرة إثر مرة إلى حروف الجر وخطأ بعض الكتاب في استخدامها. حروف الجر كثيرة، ولكل حرف استعمالاته الخاصة، وقد ينوب حرف عن حرف، قلنا هذا سابقاً ونكرره، وكتب النحو التي تتحدث بالتفصيل الجميل الجذاب عن حروف الجر كثيرة، وحسبك «جامع الدروس العربية» للعلّامة الشيخ مصطفى الغلاييني. ليس من الضروري أن يعود الكاتب المتمرس إلى مثل هذا الكتاب في كل جملة، إذ يُفترض أن لديه من العلم اللغوي والدراية والخبرة والمخزون اللغوي ما يكفيه في معظم الحالات، فكيف أقبل من كاتب متمرس أن يقول «قد تُسفر .. إلى» أما قرأ في الأدب العربي القديم نثره وشعره «وأسفر عن وجهه فإذا هو فلان» أو «وأسفرت عن وجه كأنه الشمس حسناً» كقول العرْجيّ:
كالبدر صورتها إذا انتقبت
وإذا أسفرت فأنت كالشمس

بقلم : نزار عابدين
copy short url   نسخ
23/01/2018
2394