+ A
A -
عندما أعلن الرئيس الأميركي ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، فقد جاء قراره في أعقاب إعلان استراتيجيته الجديدة للأمن القومي، مما دفع محللين أميركيين للتساؤل عما إذا كان هناك ترابط بينهما. واتفق بعض المحللين حول المعنى القائل بأن هذه الاستراتيجية التي أعلنها ترامب في النصف الثاني من ديسمبر 2017، في مبنى رونالد ريغان في واشنطن، تحمل من التناقضات أكثر مما يوجد من توافق بين بنودها، ومنها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وجاءت الاستراتيجية على خلاف مع استراتيجيات معلنه من رؤساء سبقوه، ومن منظور يختلف مع ما كان متصورا لدى خبراء السياسة الخارجية الأميركيين، من أن عصر ما بعد انتهاء الحرب الباردة، سيشهد مصالحه، وتعاون، على حين اتسمت نظره ترامب للعالم بأنه ميدان لتنافس خطير، وإن أميركا تنفرد فيه بوضع الدولة الممسكة بزمام شؤون العالم، وليست المنظمات الدولية، أو ما كان قد استقر في تفكير مفكرين أميركيين – ومنهم هنرى كيسنجر – من أن العالم ينتقل فعليا إلى مرحلة تعدد القوى التي تدير النظام الدولي.
الكاتب الأميركي روجر كوهن قال إن ترامب وفريقه، يتخذون مواقف متناقضة من أي مشكلة حتى أن صحيفة واشنطن بوست في تقرير لها بعنوان «استراتيجية ترامب للأمن القومي تخلو من الكثير من مكونات أي استراتيجية». ثم نسبت إلى مسؤول بالبيت الأبيض قوله ربما لا يكون ترامب قد قرأ استراتيجيته الجديدة!.. ولا نعرف ما إذا كانت تلك دعابة أم حقيقة.
لقد سعى ترامب من بداية حكمه إلى التقارب مع روسيا والصين، الأولى لاعتقاده بإمكان أن تكون شريكا في الحرب على الإرهاب، والثانية لاحتياجه لدورها في حل الأزمة مع كوريا الشمالية. بينما عاد ترامب في استراتيجيته إلى وصف الدولتين بأنهما منافس خطير.
وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، اتضح أن استراتيجية ترامب تعمل على إزاحة القضية الفلسطينية من صدارة المشهد المتوتر في المنطقة. مركزا على مواجهة إيران، والحرب على الإرهاب. بينما يؤدي قراره عن القدس إلى استثارة المشاعر، وإعطاء ذريعة لعناصر متطرفة يمكن أن تتخذها مبررا لعملياتها.
وفي هذا الشأن كتب سكوت أندرسون في مجلة فورين بوليسي، وهو أحد خبراء الشرق الأوسط بمعهد بروكنغز، وسبق أن عمل مستشارا قانونيا بوزارة الخارجية، إن السياسة الأميركية الجديدة تبدو غامضة، فهي لا تدعو للمحافظة على بدائل للمفاوضات في عملية السلام، وتميل بقوة إلى جانب إسرائيل.
واللافت للنظرة إلى الفقرة الخاصة بالشرق الأوسط، أنها اختزلت الحديث عن النزاع الإسرائيلى- الفلسطيني، في سطور قليلة، دون أي إشارة لحل الدولتين. وتمثل هذه الفقرة تغييرا في التفكير الاستراتيجي الأميركي المعلن رسميا على الأقل، والذي كان يرى أن المشكلة الرئيسية التي تعوق تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، تتمثل في النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. وهو ما يعكس عند ترامب رؤية جديدة ترى أن إسرائيل ليست سبب مشاكل المنطقة – ثم أن هذه الفقرة تمثل ارتدادا عما سبق أن التزمت به الإدارات الأميركية، من الوصول بالمفاوضات إلى حل الدولتين، وأن مصير القدس لا يتقرر إلا في مفاوضات الوضع النهائي،، بين إسرائيل والفلسطينيين، وبمركزية الدور الأميركي في هذه المفاوضات.
وهذا التصور بالذات، كان موضوع مناقشات لعدد من أقدر خبراء الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية، قبل سنوات، والذين انتهوا إلى ورقة عمل تطرح هذا المفهوم، لكن ذلك واجهته حمله منظمة من القوى اليهودية الأميركية، سعت إلى الترويج لأفكار عن أن عدم حل النزاع سببا فيما تعانيه المنطقة من عدم استقرار، ملقية اللوم على نزاعات أو مشاكل أخرى.
ومع وصول جماعة المحافظين الجدد إلى إدارة السياسة الأميركية في عهد جورج بوش ابتداء من عام 2001، فقد تفتق ذهنهم عن إعادة رسم صورة الشرق الأوسط، لتوضع القضية الفلسطينية، في إطار خريطة نزاعات أكثر عددا، مما يؤدى إلى تقليص حجمها، وتضاؤل النظرة إليها. من ثم كان إعلان إدارة بوش عام 2005، عن مشروع الشرق الأوسط الكبير، ممتدا من أفغانستان شرقا إلى المغرب غربا، بكل ما تحويه هذه المساحة من مشاكل ونزاعات لا علاقة لها بالشرق الأوسط، المعروف سياسيا وجغرافيا للعالم.
في هذا الاتجاه جاءت فقرة الشرق الأوسط، في استراتيجية ترامب للأمن القومي، لتعيد إحياء شيء كان قد توارى لفشله، وضعف حجته، كما أنه أصلا من بنات أفكار أنصار إسرائيل المتعصبين لها، من حركة المحافظين الجدد.
بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
17/01/2018
2819