+ A
A -
قبل أيام حصلت معركة جديدة من المعارك الفيسبوكية السورية، شارك فيها غالبية السوريين ممن يملكون حسابات على صفحات النت الزرقاء، الحرب المستعرة بدأها شاب حلبي أعلن أن المطبخ الحلبي لا يضاهيه مطبخ سوري آخر، وأنه بالتحديد يتفوق على المطبخ الدمشقي، وهكذا، بدأت الحرب الفيسبوكية بين أهل حلب ودمشق، وامتدت لتنال قذائفها غالبية السوريين، من مختلف شرائحهم وأعمارهم، بل واصطفافاتهم السياسية. كانت معركة لمدة يومين مبهجة، وسط الحرب السورية القاتلة والدموية، واستعاد السوريون معها ذاكرة قديمة وحديثة عن المطبخ السوري المتنوع والمتعدد، مستعينين بما تبقى في ذواكرهم، وبكتب تراثية وحديثة معنية بالأمكنة السورية وثقافاتها، حيث تعتبر ثقافة الطعام والمائدة واحدة من أهم الثقافات التي تميز السوريين، وهي بكل حال ظهرت الآن، في التغريبة السورية، حيث أكثر عمل تميز به السوريون في أماكن اغترابهم هو ما يتعلق منه بالطبخ والطعام،
ورغم أن المعركة (الطبخية) الفيسبوكية أخذت طابع المزاح، والرغبة في التخفف من وطأة الحدث السوري في مقتلته اليومية، إلا أنها فتحت في الوقت نفسه الباب للحديث عن خلافات حقيقية قديمة وعميقة بين السوريين. إذ بدأ البعض يتذكر العداء المبطن الذي كان موجودا بين أكبر مدينتين في سوريا، دمشق، العاصمة الإدارية والفعلية لسوريا، وحلب، العاصمة الصناعية لها، والتنافس الحاد بين تجار المدينتين، والذي بلغ أقصاه في ثمانينات القرن الماضي، إبان مجزرة حماة وما لحق بحلب وريفها، بسبب حركة الإخوان المسلمين العنيفة في ذلك الوقت، والتي دفع ثمنها أبرياء سوريون، كان لأهل حلب نصيب كبير منه، يومها لم يغفر تجار حلب وصناعها، لتجار دمشق تأييدهم لما فعله نظام الأسد، وصمتهم عن الجرائم المرتكبة بحق حماة وحلب وريفها، ظل هذا الخلاف متوارثا، وإن أخد شكل النكتة لاحقا، ولكن من قال إن النكتة ليست تعبيرا عما تخفيه النفوس من كمد؟!
لم تخل معركة الطبخ الفيسبوكية أيضا من المناكفة بين أهل حلب المدينة، وأهل ريف حلب، حيث اعتبر الأخيرون، أن معظم ما يفاخر به حلبيو المدينة من الطعام هو من الريف وليس مدينيا أصليا، وبرأيهم أن هذا هو حال أهل المدينة دائما مع الريف، الاستفادة منه والاستعلاء عليه، ولكن أيضا، ألم يكن هذا هو حال المدن الحضرية في مجتمعاتنا دائما مع الريف وأهله؟! ليس فقط مع الريف، بل وحتى مع المدن والمحافظات الصغيرة غير التجارية أو الصناعية، فعدا عن خمس مدن سورية هي الأكبر (دمشق، حلب، حمص، اللاذقية، حماة)، لا يبدو أن باقي المدن كانت موجودة في اليومي السوري إلا لأهلها وسكانها، فقد مورس الاستعلاء المديني الحضري على مجمل سكان المدن الصغيرة، التي كانت تعتبر مجرد أطراف لا خصوصية لها.
بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
16/01/2018
2408