+ A
A -
حينما قام «ناريندرا مودي» بأول زيارة لزعيم هندي إلى إسرائيل في يوليو 2017، رفع بعض العرب عقيرتهم محتجين وواصفين سياسات الهند بالمعادية والمنطلقة من عقيدة حزب «بهاراتيا جاناتا» القومية الهندوسية.
تناسى هؤلاء أربع حقائق، أولاها: مواقف الهند المشرفة من القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العربية على مدى عقود طويلة من غير منة، ودون مقابل. وثانيتها: رفضها الانفتاح على الدولة العبرية وعدم تغيير سياستها إلا في 1992، أي بعد اعتراف أصحاب القضية أنفسهم بإسرائيل، علما بأن هذا التغيير حدث في ظل حكومة حزب المؤتمر بقيادة «ناراسيمها راو» وليس في ظل حكومة يقودها الهندوس القوميون. وثالثها أن الهند دولة مستقلة ذات سيادة، وبالتالي فهي حرة في رسم سياساتها الخارجية وفق مصالحها الوطنية العليا، وليس على أسس أيديولوجية كما كان الحال زمن الحرب الباردة. ورابعها: أنه من المضحك مطالبة دولة كبيرة كالهند بأن تقف إلى جانب العرب، فيما العرب لم يقفوا معها يوما خلال حروبها مع جارتيها الباكستانية والصينية، بل لم يقفوا معها يوم أن طلبت الحصول على عضوية منظمة المؤتمر الإسلامي في المؤتمر التأسيسي للأخيرة في الرباط سنة 1969.
ما دفعنا إلى تناول هذه الإشكالية العربية المزمنة لجهة الموقف من سياسات الأمم الأخرى هو أن أصوات الاحتجاج ضد الهند عادت تعلو هذه الأيام من جديد بمناسبة زيارة «بنيامين نيتانياهو» إلى نيودلهي، علما بأنها الزيارة الأولى لزعيم إسرائيلي للهند منذ 2003.
تعلم الهند ــ بغض النظر عمن يحكمها ــ أن لها مصالح واسعة في دول الخليج والمنطقة العربية بصفة عامة، ممثلة في التجارة البينية، واستيراد النفط والغاز، وأسواق العمل للملايين من مواطنيها، ناهيك عن أن تجارتها مع أوروبا تمر من خلال المياه العربية. وفي المقابل تعلم الهند أن حاجتها من التقنيات الدفاعية المتطورة والأجهزة الأمنية الحساسة موجودة في إسرائيل وليس عند العرب. ومن هنا فهي تجد نفسها في موقف صعب، لكنها تتغلب عليه بانتهاج سياسات برغماتية ذات نفس طويل، وبعيدة عن ردود الأفعال المتسرعة.
الملاحظ هنا أن الإسرائيليين يتفهمون دوافع هكذا سياسات هندية، ولا يحتجون عليها، بينما العرب وحدهم هم من يقيسون الأمور وفق معاييرهم الخاصة، بمعنى ضرورة اصطفاف الآخر معهم دوما.
لنلقي نظرة على ما حدث مؤخرا كدليل على برغماتية وواقعية ومرونة السياسة الهندية، وأيضا كدليل على تجنب تل أبيب التصعيد مع الهند حيال قضايا صغيرة، طمعا في أرباح كبيرة مستقبلا.
خلال جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار قرار يعارض الخطوة الأميركية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، صوتت الهند ضد القرار الأميركي، مكررة بذل مواقفها التاريخية الداعمة لقضية فلسطين. حدث هذا على الرغم من صلات مودي القوية بواشنطن وتل أبيب، بل على الرغم من قدرة بلاده على التحايل بالامتناع عن التصويت. لم يسفر الحدث عن اختلال في العلاقات الإسرائيلية ــ الهندية، ولم تطلب تل أبيب من السفير الهندي لديها تفسيرا، ولم توجه له احتجاجا، ولم يلغ نتانياهو رحلته إلى الهند المقررة منذ نوفمبر المنصرم.
وتصرف الإسرائيليون بنفس الطريقة الذكية مع الهنود في بداية العام الجديد حينما ألغت حكومة مودي صفقة أسلحة كانت تود شرائها من إسرائيل بقيمة 500 مليون دولار، وحينما أعلن مودي عن قرب قيامه بزيارة لرام الله، حيث الهند من الدول القليلة التي لها سفارة هناك، وذلك كيلا يتسببوا في أي مشاكل مع اقتراب زيارة زعيمهم إلى الهند، وهي زيارة يأملون من ورائها خيرا عميما في مجالات الدفاع والأمن والعلوم والتكنولوجيا والتعليم والزراعة.
بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
14/01/2018
2772