+ A
A -
لم تكن صحيفة «النيويورك تايمز» تمزح عندما تحدثت، عن اتصالاتٍ أجراها ضابط مخابرات مصرية مع إعلاميين وممثلين، من أجل الترويج لرام الله عاصمة للفلسطينيين، وإقناع المصريين بأنه لا فرق بين القدس ورام الله.. وإن كنا لا نملك القدرة على التشكيك في صدقية الخبر، أو نفيه، فإن احتفاء وسائل الإعلام والنخب الإسرائيلية بالكشف عن تأييد الرئيس المصري لقرار الرئيس الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل يثير الريبة بأن للخبر أساساً من الصحة وأن السيسي يقوم بـ«واجباته» إزاء إسرائيل وواشنطن لكسب رضاهما والقبول.
صحيفة «يديعوت أحرنوت» سخرت من تناقض مواقف حكام مصر والسعودية المعلنة والسرية من القضية الفلسطينية.. قالت إنهم يدعون في المحافل العامة دعمهم للموقف الفلسطيني المتشبث بالقدس عاصمةً لفلسطين، لكنهم يعبرن عن مواقف مغايرة في الغرف المغلقة.. وفي رأي الصحيفة أن النظام المصري بدفاعه عن قرار ترامب، يريد أن يدلل على أن السيسي لا يؤيد فقط القرار، بل يسعى أيضاً إلى تسويقه.. وأكدت الصحيفة أن ما ينطبق على السيسي ينطبق على القيادة السعودية، مشيرةً إلى ما نقلته «النيويورك تايمز» عن مسؤولين فلسطينيين وأوروبيين، من أن السعودية حاولت إقناع عباس بقبول دولة دون أن تكون القدس عاصمةً لها.
طبعاً التشكيك في الرواية الإسرائيلية واجب مهني، لكن في الواقع ماذا فعلت القاهرة والرياض، وهما أكبر عاصمتين عربيتين للرد على قرار ترامب وما اعقبه من قرارات للكنيست تلغي هوية القدس؟ هل استدعت أياً من العاصمتين السفير الأميركي لتقديم احتجاج كحد أدنى؟ هل لوحت أياً منهما بوقف التطبيع المعلن أو المقنع بالدولة الصهيونية؟ أم أن ما يجري هو إحراق لما تبقى من أي أمل فلسطيني أو عربي بالتحرك من أجل القدس تماماً مثلما نجح أسلافهما في الماضي في زرع أسطورة إسرائيل التي لا تقهر في المنطقة والتي أثبت في لبنان وفي غزة عدم صحتها؟
أخطر ما يحدث الآن أن القضية الفلسطينية توضع على مذبح التصفية النهائية وسط إذعان عربي رسمي من دولتين كبيرتين، يحول دون التصدي لتحدياته وتداعياته ونكباته.. فبتوقيت متزامن عقب قرار ترامب، أقدمت السلطات الإسرائيلية على إجراءين خطيرين ينهيان من طرف واحد اتفاق أوسلو وأي أوهام علقت على التسوية السياسية.. أولهما: قانون من الكنيست يؤكد وحدة القدس تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة ويصادر أي مفاوضات بشأنها، أو أي انسحاب منها ما لم يحظ بموافقة ثلثي نوابه.. وثانيهما: ما قررته بالإجماع اللجنة المركزية لـحزب ليكود الحاكم، بضم التجمعات الاستيطانية إلى الدولة العبرية واعتبار الضفة الغربية كلها جزءاً من إسرائيل تخضع لسيادتها.
والقراران يقودان إلى مغزى واحد، وهو حالة حرب معلنةً تطلب التسليم النهائي بكل شروط المشروع الصهيوني رهاناً على أوضاع الإقليم المنشغل باضطراباته وأزماته وصراعات دوله،. وتأتي حقيقة الموقفين المصري والسعودي من القدس ليكتمل «النقل بالزعرور»، كما يقول المثل الشعبي الشامي.
الأمور الآن أسوأ بفداحة، مما كانت عليه ونذر الخطر تتزايد.. وهكذا لم يعد هناك خيارات مفتوحة أمام الفلسطينيين، فكل الطرق مسدودة، والحرب معلنة عليهم.. إذا لم يمسكوا بزمام الموقف وفق قانون الرياضيات الشهير: «لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة مضاد له في الاتجاه»، فإن قضيتهم سوف تتقوض للأبد.
الخطوة الأولى إلغاء اتفاق بقرار فلسطيني مضاد يسحب الاعتراف بإسرائيل حتى تعود القضية إلى جذورها بلا مساحيق تجمل، أو ادعاءات تخدع، كشعب تحت الاحتلال والتمييز العنصري.. لم يعد هناك ما يخسره الفلسطينيون سوى القيود والدفاع عما تبقى من حقوق مسألة حياة أو موت.. بقدر طاقة الفلسطيني على الصمود فإن إسرائيل سوف تحشر في الزاوية محاصرة بضغوط دولية وإنسانية لا طاقة لها على تحملها مهما كان حجم الدعم الأميركي، وهذا ما تبدى فعلاً في الاجتماع الأخير للجمعية العمومية للأمم المتحدة بعد قرار ترامب. الانتفاضة مفتاح الموقف ولا مفتاح غيره.. ولعل مثل هكذا انتفاضة يمكن أن تعيد الروح إلى القضية الفلسطينية، لا بل أكثر، أن تسقط القناع عن الوجوه العربية الغادرة.
بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
12/01/2018
2614