+ A
A -
نتمنى أحيانا لو مرت بنا حوادث الحياة الفاجعة سريعا كشريط سينمائي ينتهي حتى قبل أن نفيق من صدمتنا فنختصر بذلك أياما طويلة من الألم، والندم، والعجز القاسي.
وكذلك نتمنى في كل مرة تقصف أو تجتاح فيها مدينة عربية،أو مسلمة لأننا بتنا نعلم جيداً ما في ذلك من فجيعة، ودمار، وجُرمٍ يقتلع الضمائر من أجوافنا، بينما نرقب عاجزين.
ولأننا رأينا كيف يبدو الفجر من خلف سحب الدخان التي كانت في الليل ناراً أحرقت المدن، وأهلها، وكيف يغدو الركام الذي كان قبل ايام منزلا عامرا بالحياة مزيجا من تراب وبقايا بشرية.
رأينا كيف تتردد صدى صرخات الفجيعة في العيون الذاهلة بالفقد، العاجزة امام كل هذا الألم والظلم على احباب دفنوا أحياء، تتساءل أرواحهم بأي ذنب قتلنا.
قصف الفلوجة، واجتياحها دحراً لداعش الذريعة، ومن قبلها حلب وغيرها أثار في النفس هذه الشجون التي لا تلبث ان تتجدد، وكأننا بتنا على موعد معها في العام الواحد عشرات المرات، من الشام إلى العراق، إلى اليمن، كلعبة استنزاف مقصوده يراد منها أن يظل هذا الشرق مشغولا بأحزانه، ودفن موتاه، يلف ذات المستعمر على رقبته الحبل الذي لا يبقيه حياً ولا يرديه ميتا.
حتى ثورات الربيع العربي بتنا نشك في جدواها وصحتها بالصورة التي قامت عليها، لأنها في الأصل لو تأملناها لم تسقط سوى وجه الطغيان اما عمقه، واصله فقد بقى، وتمدد، وتفرع، وخلق مئات الطغاة الصغار الذين يمتصون كعلق ٍ قبيح كل ما يصلون اليه تاركين شعوبا بأكملها تتخبط بين الفقر، والقهر، والنار، مع خلق مزيد من الفوضى المربكة التي تركت مدنا، وشعوبا في مرمى النيران العدوة، والصديقة، بينما نعجز سوى عن العويل، واللطم في شبكات التواصل الاجتماعي.
إذا ما الحل؟
وكيف نواجه هذا الاستنزاف لطاقاتنا، ومدننا، وشعوبنا، وتاريخنا، وعقولنا، وعواطفنا المرهقة من طول الأسى؟
على ما يبدو حتى تكون ثورة ناجحة، وكبحاً لكل مشاريع الاستنزاف التي تستهدفنا لا بد من وعي حقيقي، وثورة فكرية سلمية منظمة في البدء تحت قيادة موحدة، قوية، مخلصة تستوعب الجميع، تخلق لها حاضنة شعبية كبرى، لا تترك خلفها ثغرة،أو ذريعة، تجفف منابع الأنظمة الفاسدة بالتدريج، وتستأصل غرسها من جذوره وان استلزم هذا الأمر سنوات طوال، سنوات تمضي في البناء لا الهدم، ثورة لا تبدأ في الشوارع، والميادين، وتسير بعشوائية بلا غربال يصنف المندسين من المخلصين، تثير شهية المجرمين للدماء، واستئصال الشرفاء، وتخلق الارتباك، والفوضى، ثورة حضارية تمس العقول، والنفوس، والضمائر اولاً، وتجبر حتى الطغاة على تبني قوانين العدالة والحرية، حين يجدون شعوبا تَمَلَكها الاخلاص ترفض الخيانة، والعمالة، تحترم نفسها، وتفرض احترامها على العالم من حولها.

بقلم : مها محمد
copy short url   نسخ
24/05/2016
1750