+ A
A -
الإمبراطوريات مثل البشر لها مراحل من القوة والضعف ثم النهاية، ومنذ عصر الامبراطورية الرومانية وحتى الآن تبلغ الامبراطوريات ذروتها بحاكم مليء بالطموح والرؤية الاستراتيجية والفتوحات الحربية، يجيد انتقاء القادة العسكريين والمستشارين السياسيين حوله، ثم تتقلص وتنزوي وتموت على يد حاكم منغلق منكب على نفسه يشك في كل من حوله وبدلا من أن يخوض الحروب في ساحات المعارك يخوضها من غرفته المنعزلة عبر برنامج التواصل الاجتماعي «تويتر»، هذا ما يقوم به دونالد ترامب الذي سيكون في رأيي الامبرطور الأخير للامبراطورية الأميركية أيا من كان الذي سيأتي بعده أو العمر المتبقي لبقايا القوة لدى هذه الامبراطورية التي لا تغرب الشمس عن أساطيلها التي تجوب البحار من بحر الصين الجنوبي إلى محيطات الدنيا وبحارها لا لتعلن عن هيمنة القوة للامبراطورية التي تنتشر قواعدها العسكرية في أكثر من سبعين دولة حول العالم، ولكن لتعلن أن لحظة الغروب قد بدأت وأن الامبراطور الأخير يجر الامبراطورية نحو الانحسار والأنكفاء وأن قوي جديدة بالفعل بدأت تتشكل بهدوء في شرق الدنيا هذه المرة وليس في غربها، فالغرب الذي امتلك أسباب القوة طوال القرون الثلاثة الماضية بدأت تتوارى عنه هذه الأسباب وبدأ الشرق يمسك بها من خلال قوى كامنة مثل الصين والهند وقوى تعلن التحدي مثل روسيا التي تسعى للنهوض من كبوتها وضعفها وربما تحالف يضم عددا من هذه الدول، أما نحن العرب فقد خرجنا من كل المعادلات لنركض نحو هذا تارة ونحو الآخر أخرى في ضياع غير مسبوق للوجود والحضور.
انزواء الامبراطورية الأميركية وتراجعها ليس وليد وصول ترامب للبيت الأبيض أو أفعاله المشينة التي فضحها رجاله عبر الحوارات المطولة والأسرار والمعلومات التي قدموها لمايكل وولف فرسم من خلال صورة سوداوية للبيت الأبيض، وإنما بدأت منذ أن قدم المؤرخ الأميركي بول كيندي صاحب كتاب «نشوء وسقوط القوى العظمى» أحداث الحادي عشر من سبتمبر من زاوية قراءته للأحداث التي تعصف بالدول، وكتب في 17 سبتمبر 2011 مقاله الشهير «النسر الذي حط»، وقال فيه «هذا حادث فاصل في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، فالولايات المتحدة قبل الحادي عشر من سبتمبر لن تكون الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من سبتمبر» فالرجل الذي رصد على مدار 500 عام أسباب قيام وسقوط الامبراطوريات أدرك من تحليله لأحداث الحادي عشر من سبتمبر أنها بداية تراجع وتهاوي وسقوط الامبراطورية الأميركية فنحن لا يمكن أن نقرأ بأي حال من الأحوال الواقع الأميركي الحالي دون الرجوع لأحداث الحادي عشر من سبتمبر وما نتج عنها من تخبط في القرار والرؤية ونوعية الحكام الذين حكموا أميركا والمحيطين بهم، فالكتب التي تناولت شخصية جورج بوش الابن جعلته من أسوأ الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة وأكثرهم سذاجة وغباء لكن الذين كتبوا ذلك لم يكونوا يعلمون أن هناك رئيسا قادما يدعى ترامب سيحكم الولايات المتحدة من غرفته المغلقة عبر تغريدات متخبطة وصلت إلى حد أن يصرخ بأعلى صوته ليسمع العالم ويقول «أنا لست مجنونا أنا حاكم قوي والزر النووي عندي أكبر من الزر النووي لدى حاكم كوريا الشمالية».
بقلم : أحمد منصور
copy short url   نسخ
09/01/2018
8687