+ A
A -
سريعا جاء تصويت حزب الليكود ثم الكنيست الصهيوني بالموافقة على قرار ضم القدس والمستعمرات في الضفة الغربية وغور الأردن إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي، مستثمرا قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة الصهيونية، مما يسدل الستار نهائيا على أي أمل ما تزال تراهن عليه السلطة الفلسطينية لتحقيق تسوية مستحيلة للصراع على أساس حل الدولتين الذي كان منذ البداية مجرد وهم أطلقه قاده العدو وصدقه من وقع اتفاق أوسلو المشؤوم.
قرار الكنيست، كما القرار الأميركي من قبله، لم يكن مفاجئا، فهو جاء تتويجا لعقود من سياسات الاحتلال التي قامت على تكريس الأمر الواقع الاحتلالي عبر قضم وتهويد أراضي العرب في فلسطين المحتلة، منذ إطلاق وعد بلفور الاستعماري البريطاني. فبعد أن نجحت الحركة الصهيونية في الحصول على اعتراف دولي بوجود الدولة الصهيونية على الأرض التي احتلتها سنة 1948، عملت الحكومات الصهيونية المتعاقبة على مواصلة المخطط الصهيوني لاستكمال احتلال واستيطان وتهويد ارض فلسطين من خلال:
أولا: إغراق الأرض التي احتلت عام 48 بالمزيد من المستوطنين الذين جلبتهم الوكالة اليهودية من شتى الدول في أكبر عملية استيطانية اقترنت بتقديم إغراءات للعيش بظروف من الرفاهية.
ثانيا: بعد نجاح المشروع الصهيوني في تثبيت وجود الكيان الاحتلالي وتنظيم هجرة مئات الآلاف من المستوطنين بين الخمسينات والستينات من القرن الماضي، عمد الكيان إلى التوسع في احتلاله فشن عدوانه في خمسة حزيران 1967 وتمكن من استكمال احتلال باقي أرض فلسطين (القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة) والجولان السوري وشبه جزيرة سيناء المصرية.
ثالثا: توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين النظام المصري وكيان الاحتلال الصهيوني والتي أدت إلى إخراج مصر من دائرة الصراع العربي الصهيوني وربطها بعجلة التبعية الأمنية والاقتصادية والسياسية لكيان الاحتلال والولايات المتحدة الأميركية،مما أدى إلى إحداث خلل كبير في توازن القوى بين العرب وكيان العدو، وفر للأخير الظروف المواتية لتكريس سيطرته واحتلاله وتطبيع علاقاته وزيادة منسوب عملياته الاستيطانية.
رابعا: الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982 والذي أسفر عن خروج منظمة التحرير من لبنان واتجاه قيادتها بشكل نهائي نحو المراهنة على الحل السلمي للصراع وحل الدولتين، وقد جاءت الانتفاضة الأولى عام 1987 وما أدت إليه من استنزاف للاحتلال بمثابة الفرصة لقيادة المنظمة لتحقيق هذا الرهان عبر الدخول مع كيان العدو في عملية تفاوضية سرية أفضت إلى توقيع اتفاق أوسلو الذي وجدت فيه حكومة العدو آنذاك قارب النجاة من ثمن كبير كانت ستدفعه للتخلص من الانتفاضة وهو الانسحاب من قطاع غزة والضفة الغربية، فاتفاق أوسلو لم يؤد إلى هذا الانسحاب بل إلى إقامة سلطة حكم ذاتي محدود في قطاع غزة وبعض مناطق الضفة، التي اعتبرت حسب الاتفاق مناطق متنازع عليها يحسم مصيرها النهائي من خلال المفاوضات، مقابل وعد إسرائيلي بأن تؤدي هذه المفاوضات إلى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب الدولة الصهيونية التي اعترفت فيها منظمة التحرير بموجب أوسلو قبل حتى أن تحصل على اعتراف إسرائيلي بدولة فلسطينية في الضفة والقطاع، أي أن كيان العدو حصل على ما لم يكن يطمح إليه من دون أن يقدم أي ثمن. فيما فتح الاتفاق الباب واسعا أمام الكيان الصهيوني لكسر جدار العزلة والمقاطعة من حوله.
وفي الوقت الذي كانت فيه السلطة الفلسطينية ترفع من منسوب المراهنة فلسطينيا وعربيا على المفاوضات للوصول إلى تحقيق رهانها على إقامة دولة في حدود عام
1967كان كيان الاحتلال يحسن الاستفادة من مناخ المفاوضات وينفذ أكبر مشروع استيطاني في القدس والمناطق الاستراتيجية من الضفة الغربية ونجح في استقدام أكثر من مليون مستوطن من روسيا ودول أوروبا الشرقية وتوطين نصفهم في مستعمرات بناها في القدس والضفة، وذلك في سياق خطة غيرت الوضع الديموغرافي في القدس وحولت المدن والبلدات الفلسطينية في الضفة إلى مناطق مطوقة بالمستعمرات والطرق الالتفافية وجدران الفصل العنصري، بما يجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية، ويؤدي إلى تمكين كيان العدو من فرض مفهومه لحل الصراع الذي يستند على أساس إعطاء الفلسطينيين حكما ذاتيا في مناطق وجودهم في إطار السيادة الإسرائيلية، وشطب حق عودة اللاجئين وفرض توطينهم في الدول التي لجأوا إليها.
من هنا يبدو من الواضح أن أوسلو كان فخا صهيونيا للوصول إلى تهيئة الظروف لإعلان قرار واشنطن الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة الصهيونية، وقرار الكنيست، وبالتالي تمكين كيان العدو من فرض رؤيته لحل الصراع على أساس إلغاء أي حق للشعب العربي الفلسطيني في فلسطين، وان لا دولة في فلسطين إلا الدولة الصهيونية العنصرية.
غير أن هذا القرار الصهيوني يؤدي عملياً إلى النتائج التالية:
1 ـ إنهاء أي أفق لحل الدولتين وبالتالي لأي تسوية سياسية فيما لا تستطيع أي قيادة فلسطينية الموافقة على الحل الصهيوني التصفوي لقضية فلسطين.
2 ـ اضمحلال السلطة الفلسطينية ونهايتها بقرار أو بدون قرار، وتحول الشعب الفلسطيني للعيش في ظل احتلال يسمى دولة صهيونية عنصرية تقوم على سياسات التمييز والفصل العنصري.
3 ـ إحداث تحول جذري في الموقف الفلسطيني لصالح تصعيد الانتفاضة الثالثة، والمقاومة المسلحة، والعمل على بلورة استراتيجية شاملة لمقاومة الاحتلال، لأن الخيار البديل هو الاستسلام للاحتلال والتخلي عن فلسطين.
إن راديكالية المشروع الصهيوني وتطرفه في نفي حقوق الشعب العربي الفلسطيني، هو ما يؤدي إلى سقوط خيار الرهان على التسوية وتجذير خيار المقاومة والانتفاضة باعتباره هو السبيل الوحيد لمواجهة مخطط الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية، ومنع العدو من تحقيق أهدافه.
في حين أن سيادة نظام الفصل والتمييز العنصري في فلسطين يقود إلى تصعيد الانتفاضة والمقاومة.
بقلم : حسين عطوي
copy short url   نسخ
06/01/2018
1935