+ A
A -
أتابع الحملة الشعبية في وسائل الاتصال الاجتماعي وخاصة «تويتر» تحت عدة هاشتاقات مثل، «انقذوا بر قطر» أو «انقذوا رياض قطر» إلى آخر ذلك من هاشتاقات.. لغير المتابع أو للآخر الأجنبي سيعتقد أن ضرراً بيئياً طبيعياً سيلحق بهذا البر وتلك الرياض، ومن عاش منا قبل عقود يذكر حملة «انقذوا معابد أبوسمبل» في مصر التي أخذت بُعداً دوليا وتدخلاً من قبل المنظمات الدولية لإنقاذ هذه الآثار العظيمة بسبب بناء سد النيل، وأصدرت مصر طوابع بريدية وحملات إعلامية للعمل على حمايتها وقد نجحت كان ذلك في الستينيات من القرن المنصرم، الوضع عندنا الآن في قطر والحملة الإعلامية في وسائل الاتصال الجماهيري ليست لإنقاذ بر قطر ورياض قطر من السيول مثلاً أو من فيضان البحر أو حتى من وسائل التعرية، الحملة لإنقاذ هذه الرياض وهذا البر وهذه البيئة المحدودة من «مصنع للدجاج» يهدد بإزاحتها وطمسها عن الوجود، وهو مشروع حيوي ومهم وأكد الحصار أهميته وهناك مشروع لطرح الشركة الخاصة به للاكتتاب العام للجمهور، لكن من المفترض ألا تكون تكلفته على حساب الإنسان والبيئة والأرض التي تشكل رئة ومتنفساً لأهل قطر، شاهدت صوراً لعدد من الرياض المهددة، الحقيقة أنه مؤثرة جداً مجرد التفكير في إزالتها أو تحويطها أو حتى استملاكها، عانت بلادنا خلال العقود الماضية من عشوائية في استخدام البر إما لإقامة كسارات أو أن تكون مُكباً لمياه المجاري خسرنا جنوب الكرعانة من أجل الصرف الصحي والنخش كمصنع للإسمنت والبرثة وغير ذلك من أراضٍ خصبة وبيئة طبيعية تسكنها الطيور والأرانب، كنا نقنصها ونحن صغار ونستمتع بجمال قطر نعم قطر «جميلة» بل جميلة جداً لو وازينا بين التنمية والطبيعة، قطر جميلة لو أدركنا أن التنمية تخدم الإنسان فبالتالي لا يجب أن تكون على حساب نفسيته وبيئته، قطر جميلة لو أدركنا أنه لم يتبق للقطري ما يستشعر به ذاته سوى هذا الأماكن وتلك الرياض، قطر جميلة لو استشعرنا غياب الذاكرة المتبقية للقطري المتمثلة في ما تبقى من بر ومن رياض ومن «مساطيح» عاش ونزلها الآباء والأجداد، إذا كان هناك من يستشعر خطأ إزالة الفرجان التاريخية في الدوحة وإزالة جزء من ذاكرة المواطن، فإن عليه أن يتذكر أن إزالة هذه الرياض وهذه «القيعان» تعني إزالة ومحو ذاكرة القطري تماماً، فهل تبحثون عن مواطن بلا ذاكرة أيها السادة.. نقدر دور الدولة العظيم في مواجهة الحصار ونقدر دور الحكومة الكبير في إيجاد البدائل بسرعة أذهلت العالم ونقدر الاستعداد لمواجهة المستقبل بكافة المشاريع، لكن علينا أن نتذكر أننا نعمل كل هذا لمن؟ أليس للإنسان وصحته واستمرار عطائه ووقوفه مع حكومته وقيادته، اتركوا ما تبقى له من ذاكرة لا يسرقها الدجاج ولا غيره من مشاريع غذائية على أهميتها وضرورتها اتركوا له مساحة كان يصطاد طيرها ويأكل أرنبها واليوم فقط يهفو إليها كلما لمع بارقُ أو سمع رعُدٌ أو وابلٌ من مطر يحي الأرض، وافسحوا المجال للمشاريع في أماكن أخرى وتحت دراسات واقعية ونفسية واجتماعية بإشراف خبراء من أهل قطر ومن غيرهم، دعوة هذه المرة لإنقاذ الإنسان وليس البنيان، لقد انتصرت قطر على الحصار بفضل الله ثم بفضل قيادتها وتلاحم شعبها، فلا أقل من أن ينتصر الإنسان «كطبيعة» على «الدجاج» كمشروع، فلا يتصادم المشروع مع الطبيعة ولا تُطرح مقارنة بين الإنسان الذي هو الهدف والدجاج الذي موضوعاً له كغذاء. بيئة قطر أمانة لا تقتلوها بعد أدميتم أطرافها، بيئة قطر تحتاج إلى تضميد جراحها من عقود سابقة، بيئة تحتاج العلاج لا مزيد من الأضرار، بيئة قطر يجب أن ينظر إليها من داخل نفسية «القطري» لا من خلال «قوقل» وإحداثيات الخرائط.. البيئة مشروع إلهي لا يجب أن يستبدل بمشروع صناعي إلا في حالات ضرورة قصوى جداً ولست أرى في المشروع الصناعي المراد قيامة أي ضرورة قصوى في هذا المكان التي تتجلها فيه طبيعة قطر في أحلى صورها.. على كل حال، كلنا أمل في حكومتنا الرشيدة أن يوقف النزيف وأن يحافظ على ما تبقى من ذاكرة لقطر الرجال الأولين.
بقلم : عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
04/01/2018
3139