+ A
A -
تظل قوة الدفع الرئيسية وراء قرار الرئيس دونالد ترامب، بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، واعتبارها عاصمة لإسرائيل، تحتاج تعمقا في عالم إدارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فيما يتعلق بالتحيز المطلق والاستفزازي لإسرائيل.
وفي هذا العمق، نرى ضوءا كاشفا على دور التجمع السياسي الذي عرف باسم اليمين المسيحي، أو المسيحية الصهيونية، وهي طائفة يطلق عليها بالإنجليزية EVANGELICALS، وهم من يعتبرهم ترامب الآن قاعدته الانتخابية، الذين ساندوه بقوة في انتخابات عام 2006.
وترجع أهميتهم من زاوية حساباته الانتخابية، إلى أنهم يلتزمون بتعليمات قياداتهم بالنزول جماعيا إلى صناديق الاقتراع، للتصويت لصالح من اتفق تنظيمهم على انتخابه. وتقول التقديرات أن 80% منهم ذهبوا إلى صناديق الانتخابات، وأعطوا أصواتهم لترامب، وهي نسبة لا تكتمل عادة لأي تجمع سياسي منظم.
هؤلاء يحملون شعارا يفادون به بلا كلل، وهو أن تكون القدس عاصمة لإسرائيل، ثم أنهم من أهم ممولي الاستيطان في الضفة الغربية، وتساندهم منظمات ومراكز بحوث، ويمولهم أصحاب البلايين من رجال المال والصناعة، الذين يتفقون معهم في أفكارهم.
وهم أصحاب عقيدة تؤمن بأن إسرائيل جزء من هذه العقيدة الدينية، وتقوم على تصور وقوع معركة بين إسرائيل والدول العربية يطلقون عليها اسم «أرمجدون» أو «هرمجدون»، ويتخيلون أن تنتصر فيها إسرائيل، وعندئذ تحدث العودة الثانية للسيد المسيح إلى الأرض، وأن عدم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، سوف يؤخر عودة المسيح.
وبالرغم من هذا الشطط الحاد في التحيز من جانبهم لإسرائيل، فإن اليهود يرفضون أفكارهم، لأنهم يقولون أن اليهود في هذه الحالة سوف يدخلون الديانة المسيحية. وكما هو واضح فإن أفكارهم بعيدة عن الحسابات السياسية، لكنها تمثل عقيدة لمذهب ديني، وهم يمتلكون عشرات الشبكات التليفزيونية ومحطات الراديو، للترويج لأفكارهم، ومن أبرز قياداتهم القس بات روبرتسون، الذي يبث في قنواته، حملات عدائية صريحة للعرب والمسلمين.
كانت البداية المنظمة لهذا التيار في أوائل الثمانينيات عندما تلقى أحد أقطابهم وهو جيري فولويل، دعما كبيرا من اليمين الجديد المتعاظم في الحزب الجمهوري، وعندئذ اتفق رموز هذا التيار على تشكيل منظمة أوسع مدى يكون لها نفوذ سياسي أكبر، وعلاقات أوثق مع المؤسسات السياسية في واشنطن. من ثم تأسس الائتلاف المسيحي الذي عرفت أفكاره وبرامجه بالمسيحية الصهيونية. ومنذ عام 1992، عقب الفوز الساحق للحزب الجمهوري بأغلبية مقاعد مجلس الشيوخ والنواب، فقد صار لهم صوت مسموع سياسيا.
لم يكن معنى ذلك تمتعهم بتأييد جوهري من جانب الشعب الأميركي، نظرا لتعدد المذاهب المسيحية في الولايات المتحدة، والتي ترفض هذا الفكر. وتصاعد الهجوم عليهم في أعقاب هزيمة الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة عام 1996، والتي فاز فيها بيل كلينتون، وهي الفترة التي بدأ فيها تراجعهم، وانتشرت الانتقادات لهم، وللحزب الجمهوري، الذي يضم في صفوفه مثل هؤلاء من أصحاب الاتجاهات المتعصبة، التي تخالف التوجهات العامة للمواطن الأميركي. واتهمت قياداتهم بأنهم جرفوا الحزب إلى الانغلاق الأيديولوجي، وألحقوا الهزائم بالحزب.
وحسب الوصف الذي استخدمه البروفيسور ويليام مارتن أستاذ دراسات الأديان بجامعة رايس بمدينة هيوستن في تكساس، فإن قطاعات كبيرة من الرأي العام الأميركي، تنظر إلى بروز هذه الاتجاهات، باعتبارها تمثل تهديدا متزايدا لهوية الدولة.
ومن أخطر ادعاءاتهم ما أعلنوه بأنه يجب على المسيحيين مساندة وتأييد دولة إسرائيل، وإلا كانوا متواطئين في اعتراض شريعة الله!.
ولما جاء قرار ترامب الاستفزازي، والمنتهك للقانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، وإجماع دول العالم، بل والخروج على القواعد الأساسية التي سبق أن التزمت بها الدولة الأميركية، بأن وضع القدس لا يتقرر إلا في مفاوضات الوضع النهائي، فإن دوافع ترامب لم تنشأ على أساس ديني، لكنها بنيت على حسابات سياسية مجردة، لأنه وجد أن استجابته لدعاوى هذا التيار، تضمن له قاعدة انتخابية مضمونة، ستصوت له في انتخابات الرئاسة القادمة.

بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
03/01/2018
2389