+ A
A -
- 1 -
لا يزالُ صدى زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسودان، مستهل الأسبوع الماضي، يتردَّدُ بعيداً عن الفضاء الوطني السوداني، ويُثير كثيراً من الجدل والتجاذبات الإسفيرية بمواقع التواصل الاجتماعي.
بعض هذه التجاذبات وصلت مرحلة الإساءات العنصرية، مما أدى إلى ثورة غضبٍ سودانية في أجهزة الإعلام التقليدية والإسفيرية، رداً على المُسيئين والمتجاوزين بإسفاف.
السؤال المركزي الذي كان مطروحاً: هل هذه الزيارة ذات طابع اقتصادي فقط، أم أن وراءها أبعاداً أُخرى ذات صلة باستقطاباتٍ المحاور في المنطقة، وعمليات المكائد والدسائس التي تُحاك بليلٍ، وتُنفَّذُ في نهارات المنطقة المأزومة.
للأسف، بعض القنوات العربية حاولت وضع الزيارة في سياق التجاذبات الإقليمية، باعتبار أن لتركيا توجُّهاتٍ وصلاتٍ تتعارَضُ بل وتصطدمُ مع توجُّهاتِ دولٍ أُخرى قريبةٍ من السودان.

- 2 -

الزيارة أثارت قلق عدد من دول الإقليم ومخاوفها، وربما عزَّزَ من هذا القلق تزامن الزيارة مع اجتماعاتٍ مُهمَّة لرؤساء أركان الجيوش السودانية والقطرية والتركية.
بجانب زيارة نائب رئيس الأركان الروسي، التي قد تحملُ في طيَّاتها موافقةً روسيةً على مدِّ السودان بأسلحةٍ دفاعيةٍ مُتطوِّرة، وربما حتى الموافقة على إنشاء القاعدة العسكرية.
دولةٌ مثل مصر، ودولٌ إقليميةٌ أُخرى، حليفةٌ للولايات المتحدة، نظرَت إلى الزيارة بريبة وشكٍّ، وهذا ما عبَّرَتْ عنه الهجمة الإعلامية الشَّرسة التي تعرَّضَ لها السودان من أجهزة إعلام تلك الدول.
رغم أنها كانت حملةً طابعها التَّهريج والإثارة والإسفاف؛ إلا أنها مثَّلَتْ تعبيراً حقيقياً عن القلق الرسميِّ من تلك الزيارة؛ فبعض هذه الدول تُريد للسودان أن يكون تابعاً لها، يُعادي من تُعاديه، ويُصادق من تُصادقه!

- 3 -

الشكوك والظنون وصناعة المخاوف، هذا ما دفع وزير الخارجية السوداني بروفيسور إبراهيم غندور، للردِّ على ما تردَّدَ عن ترتيبات لخلقِ محورٍ جديدٍ في الشرق الأوسط، يضمُّ السودان وقطر وتركيا وروسيا.
غندور كان واضحاً وحاسماً، وهو يقول: «إن السودان لا يُؤمن بسياسة الأحلاف»، مؤكداً أن «السودان منفتحٌ على أشقائه في العالم بأسره».
وأضاف غندور، خلال مؤتمر صحفي مشترك بالخرطوم، مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، إن «السودان لم يكن في يومٍ من الأيام طرفاً في حلف، ولا نُؤمن بسياسة الأحلاف، فنحن منفتحون على أشقائنا في كل العالم؛ أفارقةً وعرباً ومسلمين».
وزيرُ الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، استشعر ما يُثار حول الزيارة، فمضى في ذات اتجاه غندور، وسعى لبثِّ تطمينات لبعض الأطراف في المنطقة، قائلاً إن أنقرة تتواصل مع الجميع، نافياً وجود محور في المنطقة يضمُّ تركيا وقطر وإيران، مُضيفاً: «نعمل من أجل السلام والاستقرار في المنطقة، ونبذل كل الجهود لحل الأزمات».

- 4 -

الإشارة الأولى، التي حدَّدت الغرض من الزيارة، هي طبيعة الوفد التركي الذي ضمَّ مائتي رجل أعمال وعشرة وزراء، أغلبهم من ذوي الصلة بالاقتصاد.
أهم ما حقَّقه السودان من الزيارة التاريخية للرئيس التركي، توقيع اتفاقيات اقتصادية كبرى أسَّسَتْ لشراكة استراتيجية وتعاون عسكري.
أما من ناحيةٍ سياسية، فقد حقَّقَتْ الحكومة السودانية مكاسب عدَّة، أهمها أنها برهنت على فكِّ عزلتها الدولية، باستقبال الرئيس أردوغان بوصفه أول رئيس تركي يزور السودان، والإعلان عن زيارة مُرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

- 5 -

ستكون فائدة السودان الكُبرى من هذه الزيارة، إذا استطاعت الشراكةُ الاستراتيجيةُ المُعلنة، أن تُؤسِّس لعلاقة تحكمها المصالح والأرقام، لا الشعارات والأيدولوجيا والتحالفات المُتحرِّكة.
أما الفائدة العظمى، التي سيجنيها السودان من الشراكة الاستراتيجية، هي الاستفادة من التجربة الأردوغانية في جعل الاقتصاد قاطرة السياسة، لا العكس، والأرقام هي الرافعة السياسية في تحديد النجاح والفشل.
بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
31/12/2017
2684