+ A
A -
خشية إسرائيلية من استمرار الانتفاضة وخروجها عن السيطرة ومحاولة نائب الرئيس الأميركي زيارة بيت لحم وكنيسة المهد والاجتماع مع المسيحيين الفلسطينيين وإلقاء خطاب في الأعياد يدعي الحرص على الأقليات باءت بالفشل بسبب الرفض التام لاستقباله والسماح له بزيارة الكنيسة، مما أدى إلى تأجيلها وإحباط الخطة الأميركية لتمرير قرار ترامب والانطلاق إلى مرحلة جديدة من المراهنة على استمرار المفاوضات من دون التراجع عن القرار.
بل أن الأمر لم يتوقف عند ذلك فقد ترافقت هذه التطورات مع استمرار التظاهرات والاحتجاجات في كل أنحاء العالم رفضا للقرار الأميركي وتضامنا مع الانتفاضة. وشبه إجماع دولي في الأمم المتحدة على رفض الهيمنة الأميركية وسياسة التهديد والابتزاز الوقحة التي اتبعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد الدول التي ستصوت على إبطال قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الصهيوني، حيث صوت 128 دولة مما اعتبر بنظر جميع المراقبين والمحللين في العالم الضربة الأكبر التي تتلقاها السياسة الأميركية منذ عام 1944. ومؤشرا قويا على تمرد دول العالم ضد سياسة الهيمنة الأحادية الأميركية وانتقالها إلى مرحلة التصدي لهذه الهيمنة.
لا شك في أن ذلك أثار قلق دوائر القرار في واشنطن وتل أبيب. فما حصل يضع أميركا وكيان الاحتلال الصهيوني في مواجهة العالم أجمع لأن الدول التي امتنعت عن التصويت وعددها 35 دولة إنما لتجنب قطع المساعدات المالية الأميركية عنها. وليس لأنها تؤيد قرار ترامب. فالامتناع هنا يعكس ضمنا معارضة أيضا. أما الدول التسع التي وقفت مع أميركا فإنها لا تشكل وزنا مؤثرا فهي عبارة عن جزر تحت السيطرة الأميركية. ولهذا فإن ما حصل يشكل هزيمة قاسية للسياسة الأميركية غير مسبوقة وانتصارا لفلسطين وانتفاضتها ومقاومتها الباسلة. ولأنها كذلك فان الصهاينة المحتلين الذين ناموا فرحين بالقرار الترامبي الذي انتصر لاحتلالهم وأسطورتهم المزعومة عن هيكل لم تتمكن حفرياتهم وتنقيباتهم تحت المسجد الأقصى من إيجاد دليل واحد على وجود أثر له. استفاقوا، هؤلاء الصهاينة، على صفعة حولت فرحتهم إلى حزن وقلق من نتائج وانعكاسات مثل هذا الإجماع الدولي على مخططاتهم ومشاريعهم الاستيطانية التوسعية الهادفة إلى تهويد الأقصى وإقامة الهيكل فوقه وتغيير معالم مدينة القدس وتحويلها إلى مدينة صهيونية خالية من الوجود العربي الإسلامي المسيحي. وصولا طبعا إلى تحقيق هدفهم الاستراتيجي بتصفية قضية فلسطين وحسم الصراع على أرض فلسطين بإلغاء أي حق للشعب العربي في فلسطين في أرضه. وقد عبرت وسائل الإعلام الصهيونية عن «الحسرة والضعف» وان «إسرائيل والإدارة الأميركية» تلقيتا «صفعة دولية». صحيفة يديعوت أحرونوت اعترفت أن «العالم تقريبا كله ضدنا»، أما صحيفة جيروزاليم بوست فقد أقرت بالحصاد المر لقرار ترامب وتحوله في غير مصلحة الكيان الصهيوني عندما قالت:«128 أمة أعلنت أن قرار أميركا حول القدس فارغ وبلا قيمة». في حين جاء تعليق صحيفة هآرتس أكثر تعبيرا عن حال القلق الصهيوني وما ينتظر من تداعيات سلبية للقرار في الأمم المتحدة بالقول إن أهم التداعيات السلبية أن القرار «كان قرارا عالميا على عدم الثقة بالرئيس الأميركي، وإسرائيل ستعاني من شظايا هذا التصويت في المرة المقبلة عندما تريد تجنيد المجتمع الدولي لأي جهد مشترك ضد إيران أو أي عدو آخر».
على أن قادة الكيان الصهيوني باتوا يشعرون بالقلق من مخاطر هذه النتائج السلبية لقرار ترامب على كيانهم المحتل. والتي لم يتوقعوها، خصوصاً وأنها ستؤدي إلى تكريس واقع جديد أو مرحلة جديد من الصراع العربي الصهيوني ليست في مصلحتهم وقد تقلب الأمور رأسا على عقب انطلاقا من أن ما حصل أدى ويؤدي إلى الآتي:
أولا: عدا عن عزلة السياسة الأميركية الصهيونية على الصعيد الدولي، كذلك إضعاف قدرة واشنطن وتل أبيب على تسويق سياساتهما، في أي ملف من الملفات الدولية، ما لم يتم التراجع عن القرار الأميركي بشأن القدس، وهذا سيكون له مزيد من التداعيات السلبية على كيان الاحتلال، فإذا ما تم التراجع عن القرار ستلحق به هزيمة كبيرة تسقط مشروعه للاستيلاء على القدس وحسم الصراع عليها لمصلحته وما تعنيه هذه الهزيمة من آثار سلبية على مجمل مشروع الاحتلال الصهيوني، تصب في مصلحة القضية الفلسطينية وتؤدي إلى تعزيز نضال الشعب العربي الفلسطيني ومقاومته. وتجعله أكثر إيمانا واقتناعا من الاقتراب أكثر فأكثر من تحرير أرضه واستعادة حقوقه السليبة.
ثانيا: إضعاف قدرة أميركا على توفير الحماية للسياسات الصهيونية الاستيطانية التوسعية في الأمم المتحدة، يترافق مع انحسار وتراجع استراتيجي في قدرات الولايات المتحدة على إخضاع دول العالم اقتصاديا وعسكريا وسياسيا ودبلوماسيا.
يتبع

بقلم : حسين عطوي
copy short url   نسخ
30/12/2017
2014