+ A
A -
• من قواعد الكتابة الصحيحة الابتعاد عن التقعر، وقد نهى علماء اللغة والبيان عن هذا، والابتعاد عن اللحن، أي الخطأ في حركات الأحرف، وقال علماء اللغة: اللحن بين الخاصة، كالتقعر بين العامة. وقد ذكرنا من قبل أن على الكاتب أن يختار الأسهل والأيسر من بين صحيحين، تأسياً برسول الـلـه صلى الـلـه عليه وسلم، قالت عائشة رضي الـلـه عنها: ما خُيِّر رسول الـلـه بين أمرين إلا اختار أيسرهما.
قرأت لكاتب متمكن عريق «إننا نعيش في عالم راعب» واسم الفاعل «راعب» مأخوذ من الفعل «رعب» وقد ورد هذا الفعل في بعض المعاجم بمعنى أخاف وأفزع، ونعرف فعل «أرعب» ويكون اسم الفاعل منه «مرعب». ألم يكن الأيسر أن يكتب هذا الكاتب «عالم مرعب أو مخيف أو مفزع»؟
• وقرأت في صحيفة مشهورة «التسليح بأفعل وأفضل الأسلحة» وهذا ليس خطأ ولكنه ليس مستحباً، والأفضل القول «بأفعل الأسلحة وأفضلها» هذا إذا قبلنا اسم التفضيل «أفعل» ونفهم من السياق أنها «الأكثر فاعلية» ألم يكن الأفضل أن يقول هذا؟
• ويخترع بعض الكتاب كلمات عجيبة، فقد قال أحدهم «المقاربة الثالثة عملانية» واستغربت الكلمة، من أين أتى بها؟ إنها من «العمل» ونقول: عملي ونظري، وأحياناً نقول «عملياتية» ولكن هذه مشتقة من «عملية أو عمليات» أما ما أثبته الكاتب فلا ندري من أين اشتقه. ومثل هذا قول أحدهم»لا يقتصر الأمر على اللاعبين الدولانيين»، ولا أدري من أين اشتق هذه الكلمة، فالنسبة هنا «دوْلي» نسبة إلى المفرد وهو الدولة. وقوله «الأقليات والشعوب الأصلانيين» يا جماعة، ارحمونا من تفاصحكم وادعائكم أنكم تخترعون كلمات جديدة. ويذكرني هذا بقول بعضهم «نفساني» ولا أدري من أين اشتقوها، هل من الصعب قول «نفسي» نسبة إلى النفس»؟
• لماذا يلجأ بعض الكتاب إلى اشتقاق كلمات قياساً على كلمات أخرى دون أن يتأكدوا منها؟ قرأت لأحدهم «من خطر فشو المحسوبية والفساد» هذه الكلمة «فشو» مشتقة من الفعل «فشا» نقول: فشا خبره إذا ذاع وانتشر، ولعله قاس على «سها،يسهو، سهْواً» وعلى «عفا، يعفو، عفواً» ولكن المشكلة في حركات هذا المصدر «فشو» فقد ورد في المعاجم «فشا خبره يفشو فُشُوَّاً وفُشِيِّاً» بالـلـه عليكم، من سيعرف هذه الحركات؟ بينما ورد في المعاجم نفسها: تفشى بهم المرض، والمصدر من «تفشى» هو التفشي (بتشديد الشين) ألم يكن أسهل له وللقراء أن يقول «تفشي المحسوبية»؟
• وقرأت في مقالة لآخر «حيث يقوده نهجه إلى أفشال لا يستطيع التخلص منها» ومن الواضح أن «أفشال» عنده جمع «فشل» ولكن الفشل لا يجمع، مثل:أخفق إخفاقاً وإخفاقات، والفشل: الفزع والجبن والضعف، وفشل الرجل (بكسر الشين) كسِل وضعُف وتراخى وجبُن. وفشل عند الحرب والشدة: إذا ضعف وذهبت قواه. قال تعالى في سورة الأنفال «وأطيعوا الـلـه ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا» وقال سبحانه في سورة آل عمران «إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا» ونجد في المعاجم «أفشال» ولكنها ليست جمعاً لكلمة «فشل» بل هي جمع لكلمة «فشِل» (بكسر السين) وهو الضعيف الجبان، ولم يكن الكاتب يقصد هذا، وسياق الجملة لا يدل عليه، وكان يستطيع الهروب من هذا باللجوء إلى كلمة «إخفاقات» أو أن يتحايل على المعنى بالقول: إلى أعمال فاشلة.
• من قواعد النحو التي كنا نتعلمها في المرحلة «الإعدادية» أي قبل الصف العاشر، قواعد «الحروف المشبهة بالفعل» وهذا مبحث طويل، لكننا نتوقف عند جزء منه يتصل بالحرفين «إن وأن» بتشديد النون، والقاعدة الذهبية هنا (تفتح همزة «أن» إذا جاز أن تؤوَّل وما بعدها بمصدر «يعجبني أنك تسعى إلى النجاح: يعجبني سعيُك إلى النجاح» فإن لم يكن هذا جائزاً فإنها «إن» بكسر الهمزة. وثمة مواضع تكسر فيها همزة إن وجوباً، من أشهرها أن تأتي بعد القول كقوله تعالى «قال إني عبد الـلـه».
فما بال كاتب مشهور جداً يملأ مقالته بجمل تبدأ بالقول ويفتح بعدها همزة أن؟ هذه نماذج «قلت لها أنني في التسعين» و«قال أنه لا يستطيع» و«أقول للقارئ أنه مسنّ» و«قال رجل أنه وزوجته» و«قالت فيها أنها تريد» و«قال أنه عندما كان صغيراً» وورد هذا في مقالته 11 مرة، هذا الكاتب يدعي أنه درس الأدب في الجامعة، فهل أعتب بعد هذا على المبتدئين؟
• قرأت في إحدى الصحف «المهاجرة» مقالة لكاتب خفيف الظل استشهد فيها ببيت لجميل بن معمر الشهير بجميل بثينة:
يهواك ما عاش الفؤادُ وإن أمتْ
يتبعْ صداي صداك بين الأقـبُـرِ
المشكلة في كتابنا الصحفيين المحترمين أنهم لا يكلفون أنفسهم عناء العودة إلى الدواوين أو الكتب الجامعة، ولا حتى إلى الإنترنت، ونحمد لهذا الكاتب أنه ذكر اسم الشاعر، بينما قد يكتفي غيره بالقول: وقال الشاعر. لكن صاحبنا أخطأ مرتين، قال: وإن أمت، والأصل: فإن أمت. وقال: ما عاش الفؤاد، والأصل: ما عشت الفؤاد.
• لكن صاحبنا هذا أرحم من الكاتب رشيق اللغة حين قال «ثمة خرائط سياسية تُرتسم» (والضمة من عنده) وهو يعني طبعاً «ترسم» وهو المبني للمجهول من «رسم يرسُم» فلماذا لم يقل هذا؟ والطريف في الأمر أن «ارتسم» تعني كبّر ودعا.
• قرأت في إحدى المقالات «ما زالت تعض على هذا الاتفاق بالنواجذ» بخٍ، هذه لغة عالية جداً، ولكنها غير مفهومة لكثير من الناس، وإن كان المعنى متداولاً، أي تتمسك به تمسكاً شديداً، فمن أين جاء هذا التعبير؟
»النواجذ» أقصى الأضراس «ضرس العقل» وقيل هي الأضراس كلها بعد الأنياب. وكثيراً ما نقرأ: ضحك حتى بدت نواجذه، إذا استغرق في الضحك والقهقهة. والقول: عضوا عليها بالنواجذ، أي تمسكوا بها كما يتمسك العاض بجميع أضراسه.
• قال أحدهم «ليثبتوا لنا أننا غير ذات كفاءة» فصحت: استنوق الجمل. نعلم أن «ذا» تعني التملك، فتقول: الرجل ذو اللحية الحمراء، والفتاة ذات الشعر الطويل، فكيف جاز أن يصير المذكر مؤنثاً؟ ألم يكن أبسط وأصح أن يقول: أننا غير أكفاء؟ والكاف ساكنة.
وبالمناسبة، هذا الخطأ من الأخطاء التي ما زالت شائعة مع الأسف، فهم يقولون: وكانوا مجموعة من الموظفين الأكِفّاء (بكسر الكاف وتشديد الفاء) وياله من خطأ شنيع فظيع. الكَفيء والكفوء والكُفْء (وهي الأكثر انتشاراً) النظير والمساوي. المهم أن الجمع من كفْء ومرادفاتها «أكْفاء» بتسكين الكاف. قال تعالى «ولم يكن له كفُؤاً أحد»
أما الأكفاء (بكسر الكاف وتشديد الفاء) فهي جمع كفيف أي الذي كُفَّ بصره وهو الأعمى، ولدقة اللغة العربية ثمة تسمية لكل أعمى، «الأكمه» هو الذي ولد أعمى كما في قوله تعالى على لسان عيسى عليه السلام «وأبرئ الأكمه والأبرص» والضرير الذي أضره العمى بعد إبصار، وهو من كان مبصراً ثم كف بصره، أما الأعمى فأعم وأشمل، لأنها قد تعني عمى البصر وعمى القلب.
بقلم : نزار عابدين
copy short url   نسخ
27/12/2017
2169