+ A
A -
هنالك خاصية يتميز بها الكاتب أميركي «هنري تشارلز بوكوفسكي» الذي يكاد يكون مجهولا في أميركا ومعروفا في أوروبا، وهي صراحته الفظه، وأسلوبه البسيط والعفوي والعبقري في آن واحد، الكتابة الحذرة هي كتابة ميتة كما قال، تم التعتيم عليه وتجاهله عمدا لبذاءة مفرداته وعدم اعترافه بالخطوط الحمراء التي يجب ان يتوقف عندها أي كاتب، ولأنه شخص لا يعترف بالضوابط الاجتماعية ويتحرك وفق غريزته، ويؤمن بأن صدقه مع نفسه اهم من صدقه مع الاخرين، ينظر للامور بطريقة مغايرة ومختلفة، لا وقت لديه للمجاملات أو تجميل مواقفه وآرائه قبل الافصاح عنها،وهو لا يدافع عن نفسه، ولا يبدو مهتما «ليس لدي وقت للأشياء التي بلا روح...ويساء فهمي كثيرا..ولستُ من محبي التبرير» وضع هنري بوكوفسكي قدمه على طريق الشهرة بعد نشر أول رواية له ،وكان سعيدا لأن الاعلام الأميركي تجاهله، فهو لا يريد الشهرة، لا يريد ان يكون معروفا، يكفيه انه يقبض أجر ما يكتب ويبعثره في أيام قليلة، الشهرة لا تلزمه وانما ستُلزمه بلقاء الناس، وهو ما عبر عنه بقوله «غالبا عندما أجالس الناس، سواء كانوا طيبين أو أشراراً، تتعطل حواسي عن العمل، تتعب حواسي فأستسلم، ولأني مهذب أهز لهم برأسي، وأتظاهر بأني أفهم ما يقولونه لكيلا أجرح أحدا، هذه نقطة ضعفي الوحيدة التي أقحمتني في مشاكل عديدة، أحاول ان أكون لطيفا مع الجميع إلى درجة تتمزق فيها روحي، وغالبا ما يكونون حمقى بشكل لا ينتبهون فيه إلى أني في مكان آخر» ويؤمن هذا الكاتب
المنبوذ من كل وسائل الاعلام بأن هناك ثلاثة أشياء يحتاجها المرء في حياته:-الثقة-التدريب-الحظ، وأن الكتابة هي التي ساعدته على تحمل الحياة» عندما لم تكن الحياة تقدم لي شيئا، عندما كانت حياتي فيلم رعب، فقد كانت الآلة الكاتبة حاضرة دوما لتخفف عني، لتتكلم معي، لتسليني، لتنقذ روحي، ولهذا أكتب في الأساس، لأنقذ نفسي من مستشفى المجانين، ومن النوم في الشارع...ومني» ومن أجمل القصائد التي وجهها لكل من يرغب في احتراف الكتابة هي «لا تحاول» وهي ايضا الكلمة التي وضعت على قبره بعد رحيله متأثرا بسرطان الدم بناءً على وصيته، تقول القصيدة: إذا لم تخرج منفجرة منك، برغم كل شيء فلا تفعلها، إذا لم تخرج منك دون سؤال، من قلبك ومن عقلك ومن فمك ومن اعماقك، فلا تفعلها، إذا كان عليك ان تجلس لساعات محدقا في شاشة الكمبيوتر، او منحنيا فوق الآلة الكاتبة باحثا عن الكلمات، فلا تفعلها، إذا كنت تفعلها من أجل المال أو الشهرة فلا تفعلها، إذا كنت تفعلها لأنك ترغب في نيل اعجاب الجنس الآخر فلا تفعلها، إذا كان عليك الجلوس هناك وإعادة كتابتها مرة بعد أخرى، فلا تفعلها، إذا كان ثقيلا عليك مجرد التفكير في فعلها، فلا تفعلها، إذا كنت تحاول الكتابة مثل شخص آخر فانس الأمر، إذا كان عليك انتظارها لتخرج مدوية منك، فانتظرها بصبر، إذا لم تخرج منك أبدا فافعل شيئا آخر، إذا كان عليك أن تقرأها أولا لزوجتك-أو –صديقتك-أو –والديك، أو لأي أحد على الاطلاق فأنت لست جاهزا ، لا تكن مثل كثير من الكتًاب، لا تكن مثل آلاف البشر الذي سموا أنفسهم كتًابَاَ، لا تكن بليدا ومملا ومتبجحا،لا تدع حب ذاتك يدمرك، مكتبات العالم قد تثاءبت حتى النوم بسبب أمثالك، لا تضف اسما جديدا على الرف، لا تفعلها..إلا إن كانت تخرج من روحك كالصاروخ، إلا أن كان سكونك يقودك للجنون، لا تفعلها ، إلا إذا كانت النور في داخلك يحرق أحشاءك، لا تفعلها عندما يكون الوقت مناسباً، عندما تختار انت الوقت، ستحدث الكتابة من تلقاء نفسها، وستستمر بالحدوث مرة بعد أخرى،حتى تموت! أو تموت هي داخلك، لا توجد طريقة أخرى. ولم تُوجد قط.
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
24/12/2017
6517