+ A
A -
صدر منذ سنوات كتاب، بعنوان «الجار المقلق» كتبه صحفيان إسبانيان.
أثار ذلك الكتاب استياء بالغاً في المغرب. كانت خلاصته أن الجار الجنوبي لإسبانيا، ما انفك يصدر إليها المتاعب.. من «القنب الهندي» إلى «قوارب المهاجرين» الحالمين بالوصول إلى الجنة الأوروبية.
حاول الكتاب رصد مظاهر التوعك بين البلدين. كان كتاباً حافلاً بالمعلومات لكنه لم يكن موضوعياً.
تدفقت الكثير من المياه منذ صدور ذلك الكتاب.
قبل أيام أعلنت مدريد أن العاهل الإسباني الملك فيليب السادس والملكة ليتيسيا سيزوران المغرب رسمياً في الشهر المقبل. أثارت الانتباه تصريحات أدلى بها ألفونسو داستيس وزير الخارجية الإسباني، قال فيها إن الملك فيليب سيعبر خلال الزيارة للعاهل المغربي عن امتنان مدريد لموقف المغرب الذي رفض انفصال إقليم كتالونيا.
مشيراً إلى أن عددا كبيرا من الوزراء والمستثمرين الإسبانيين سيرافقون الملك فيليب، وستبحث خلال الزيارة قضايا «سياسية وأمنية واقتصادية»، وألمح إلى أن الزيارة ستكون فاصلاً بين مرحلتين في علاقات البلدين.
تفيد المعلومات في الرباط أن الجانب الأمني سيكون له الأولوية خلال الزيارة. هنا تتعدد القضايا.
هناك أولاً التعاون المخابراتي بين البلدين، وفي هذا الجانب حققا تعاوناً مثمراً خاصة في مجال مكافحة «الخلايا الإرهابية» سواء «النائمة» أو «المستيقظة».
كان من آخر نتائج هذا التعاون المخابراتي خاصة في مجال تبادل المعلومات، الكشف عن هوية الشخصين المتورطين في عملية دهس مارة بمدينة برشلونة.
يلاحظ في هذا الصدد أن السلطات الأمنية في الرباط ومدريد أعلنتا، وفي أكثر من مناسبة، أن معلومات تبادلها الجانبان أدت إلى اعتقال خلايا إرهابية قبل تنفيذها أي عملية.
في مجال مكافحة المخدرات خاصة تهريب «القنب الهندي» والمهاجرين غير الشرعيين، تعمل القوات البحرية في البلدين بشكل وثيق، وأصبح خبراً روتيناً، الإعلان في كل مرة اكتشاف قوارب مهاجرين أو تهريب مخدرات عبر مضيق جبل طارق. لكن ذلك لا يعني عدم وجود إشكالات بين الجانبين في هذا الصدد، أهم هذه المشاكل، له علاقة بالمحاولات المستمرة والمميتة في بعض الأحيان، لمهاجرين أفارقة دخول مدينتي «سبتة» و»مليلية» في شمال المغرب. هنا تبدو القضية شائكة ومعقدة.
يعتبر المغرب المدينتين، اللتين تقعان داخل حدوده، جزءا من أراضيه ودأب منذ الاستقلال على مطالبة إسبانيا الانسحاب منهما. لكن مدريد تعتبرهما مدينتين إسبانيتين، لا يمكن فتح مفاوضات بشأنهما.
كانت إسبانيا قد أقامت سياجين حول المدينتين لمنع تسلل مهاجرين أفارقة يتعذر بعدها إعادتهم إلى المغرب الذي يرفض استقبال مهاجرين طردوا من أوروبا، بيد أن روح المغامرة تدفع الشباب الإفريقي إلى تسلق السياج ولو كان ذلك في إطار محاولات محفوفة بالمخاطر.
تطلب مدريد من السلطات المغربية إبعاد المهاجرين من محيط المدينتين كحل جذري لإيقاف محاولتهم دخول سبتة ومليلية.
وفي رد على هذا الطلب تقول الرباط إنها منحت جميع الأفارقة الذين وصلوا في إطار هجرة غير قانونية الحق في الإقامة أو العودة إلى بلادهم، ولا يمكن أن تلعب السلطات المغربية دور «الدركي» من أجل دولة أخرى.
كان لافتاً أيضاً أن السلطات المغربية نشرت قبل الزيارة المرتقبة للعاهل الإسباني، دراسة إحصائية عن الأجانب، ومعظمهم من الأفارقة، الذين يقيمون إقامة قانونية في البلاد.
تقول الدراسة إن المغرب يعد «القطب التقليدي للهجرة إلى أوروبا إذ استطاع أن ينتقل من بلد عبور إلى بلد استقبال واستقرار للمهاجرين من بين سكان المغرب البالغ 33.8 مليون نسمة، وصل عدد الأجانب إلى 84001 نسمة.
المؤكد أن المغرب يرغب في تبديد صورة «الجار المقلق» في حين ترغب إسبانيا أن تعزز علاقاتها مع البلد الذي اتخذ موقفاً جريئاً ضد تفتيت إسبانيا، وربما تكون زيارة ملك إسبانيا ذات الطابع الأكثر من ودي بداية جديدة في علاقات البلدين.
لكن الأمنيات وحدها لا تكفي، إذ ستبقى السياسة دائماً «فن الممكن».

بقلم : طلحة جبريل
copy short url   نسخ
23/12/2017
3104