+ A
A -
بعد قرار الغرفة الابتدائية في المحكمة الجنائية الدولية بإحالة الأردن لمجلس الأمن الدولي بدعوى عدم تعاونه في تسليم الرئيس السوداني عمر البشير أثناء مشاركته في القمة العربية التي انعقدت في الأردن قبل أشهر،ساد الاعتقاد بل القناعة الكاملة لدى معظم المراقبين والمحللين بأن القرار هو «رد فعل أميركي بتحريض صهيوني» على الموقف الأردني ضد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.وصرح مصدر رسمي بما يشير إلى موافقة الحكومة على هذا التفسير.
يسجل قانونيون وأصحاب خبرة على المحكمة الجنائية الدولية ملاحظات نقدية كثيرة، تصل حد اتهامها بتسييس مواقفها وقرارتها، ولا يستبعدون أبدا أن يكون للقرار الأخير بحق الأردن خلفيات سياسية، لكن ليس إلى الحد الذي ذهب إليه كثيرون.
الولايات المتحدة كما هو معروف لم تصادق على اتفاق روما الأساسي الذي نشأت بموجبه المحكمة، وإسرائيل بالطبع تتخذ موقفا معاديا منها.
لكن ما يمكن الجزم فيه من مجريات التحقيق بقضية البشير هو أن الغرفة الابتدائية المشكلة من «3» قضاة تعاملت بطريقة غير منصفة أبدا مع الدفوع التي تقدم بها الأردن.
عند تحريك القضية قبل أشهر، تقدم الفريق القانوني بوزارة الخارجية الأردنية للمحكمة برد قانوني على الاتهامات وصفه مطلعون من المختصين بالقانون الدولي بأنه وثيقة قانونية محكمة ومميزة تبعث على الفخر.
واستند الأردن في محاججته القانونية إلى اتفاقية تأسيس الجامعة العربية لعام 1953 التي منحت رؤساء الدول العربية الحصانة القانونية، ووقع كل من الأردن والسودان عليها. وتعد هذه الوثيقة من منظور القانون الدولي أساسا كافيا لمنع تسليم الأردن الرئيس البشير للمحكمة، رغم عضوية الأردن في اتفاق روما.
وعندما طلبت الغرفة الابتدائية في المحكمة من الأردن صورة عن اتفاقية الجامعة، أرسلت الحكومة نسخة أصلية تتضمن الصفحة التي تجمل توقيع الأردن والسودان عليها. لكن وبقدرة قادر اختفت هذه الصفحة من ملف القضية!
وفي واقعة مشابهة تخص الرئيس السوداني أيضا كانت المحكمة قد طلبت من دولة جنوب أفريقيا تسليم البشير بعد وصوله لأراضيها قبل عامين تقريبا للمشاركة في قمة دولية. رفضت جنوب أفريقيا الطلب رغم أنها مثل الأردن صادقت على اتفاق روما. وقد نظرت المحكمة فيما اعتبرته مخالفة من طرف حكومة جنوب أفريقيا، إلا أنها طوت الملف بعد ذلك ولم تقم بتحويل جنوب أفريقيا لمجلس الأمن مثلما فعلت مع الأردن.
كل هذه الممارسات من طرف المحكمة تثير شكوك الأردن. لكن الحكومة قالت بأنها تدرس حاليا جميع الخيارات القانونية والسياسية للتعامل مع قرار الغرفة الابتدائية للمحكمة. ولم يتضح بعد فيما إذا كان تحويل قضية الأردن لمجلس الأمن للنظر فيها مباشرة أو في إطار المراجعة الدورية لأعمال المحكمة كل ستة أشهر.
في كل الأحوال هناك رأي سائد في أوساط المسؤولين ومجلس النواب أيضا يدعو للانسحاب من اتفاق روما لما يترتب على عضوية الأردن من متاعب سياسية وقانونية تمس علاقاته مع دول كثيرة.ويدعم هذا الرأي مايقال عن انتقائية في عمل المحكمة، خاصة امتناعها عن النظر في جرائم حرب ارتكبها إسرائيليون.فهل ينسحب الأردن فعلا من الاتفاقية أم يكتفي بحل قانوني يطوي الصفحة في مجلس الأمن؟

بقلم : فهد الخيطان
copy short url   نسخ
22/12/2017
2502