+ A
A -
• كثيراً ما نقرأ «وصب جام غضبه على...» والمعنى الكلي مفهوم، وهو أنه أخرج كل ما في داخله من الغضب، ولكن من أين أتى هذا التعبير؟
الحقيقة أن ما ذكرني بالجام مقالة لكاتب يقول إنه مؤلف وشاعر ورسام ومترجم، وقد بنى مقالته على أن الجام هو الزجاج، وهذا خطأ، لأن الجام إناء من فضة يشرب به، قال المعري:
حُـبابٌ تحسَـب النفَيانَ منـه حَباباً طارَ عن جَنَبات جامِ
وهو مؤنث، وقيل إنه جمع، والواحدة منه جامة، وجمع الجام جامات، قال أبو نواس:
يزوّجُ الخمرَ من الماءِ في جاماتِ تِبْـرٍ خمـرُها يفـْهـَقُ
(فهِق الإناء: امتلأ حتى يتصبب)
نعود إلى ما بدأنا به: فكأن غضبه كان في جام فصبه على رأس أحد، ولكن لم لا تكون «فصب جمّ غضبه»؟ والجمّ الكثير من كل شيء.
• كثيراً ما نقرأ «بعجره وبجره» ونحسب أنها بمعنى «بقضه وقضيضه» والحقيقة أن المصطلحين مختلفان جداً، فالثاني مثل «جاؤوا بقضهم وقضيضهم» يعني أنهم جاؤوا جميعاً، والقض: الحصى، والقضيض: ما دقَّ منه وصغر. أما العجر فتعني الحجم والنتوء، يقال: رجل أَعْجرُ بَيِّن العَجَر أَي عظيم البطن. وعَجِر الرجلُ يعْجَر عَجَراً أَي غلُظ وسَمِن. وتَعَجَّر بطنُه: تَعَكَّنَ. وروي عن عليّ، كرَّم الله وجهه، أَنه طاف ليلة وقعة الجمل على القتْلى فوقف على طلحة بن عبيدالله وهو صريع، فبكى ثم قال: عز عليّ أَبا محمد أَن أَراك مُعَفَّراً تحت نجوم السماء، إِلى الله أَشكو عُجَرِي وبُجَري، أي همومي وأَحزاني، ويقال أَفضيت إِليه بعُجَرِي وبُجَرِي أَي أَطلعتُه من ثِقتي به على معايبي.
وأَصل العُجَر العُرُوق المتعقدة في الجسد، والبُجَر العروق المتعقدة في البطن خاصة.
وقيل: هو خَرَز الظهر، والعُجْرَة: نَفخة في الظهر، فإِذا كانت في السرة فهي بُجْرة، ثم انتقلا إِلى الهموم والأَحزان.
• وقد تسمع حتى على ألسنة العامة «حيّاك الـلـه وبيّاك» ويضيف بعضهم إليها «وجعل الجنة مثوانا ومثواك» أما الإضافة فلا نبحثها الآن، لكننا نتحدث عن الدعاء: حياك الـلـه وبياك. أما حياك فنعرفها من التحية، والتحية المُلك ومنه «التحيات لـلـه» ويراد بها: الملك لـلـه، وفي «بيّاك» اقوال شتى، منها: اعتمدك الـلـه بالملك والخير، ومنها: معناه كمعنى حياك وهو كقولهم بعداً وسحقاً، وقيل: وبوأك منزلاً، فتركت العرب الهمز وأبدلوا من الواو ياء ليزدوج الكلام فتكون بياك على مثل حياك، وقالوا: بياك معناه حياك وقربك وقالوا: معناه قصدك بالتحية، وقال الأصمعي: معنى بياك أضحكك، وقيل إن قابيل لما قتل هابيل مكث آدم سنة لا يضحك، فأوحى الـلـه إليه حياك الـلـه وبياك، قال: وما بياك؟ قال: أضحكك، فضحك.

• كثيراً ما نقرأ في الكتب القديمة «لا تثريب عليك» ونفهم المعنى عامة بأنه: لا بأس عليك (والعامية المصرية تقول: لا باس عليك، والمغاربة عامة يستخدمونها كثيراً بدون الهمزة في السؤال عن الأحوال) ولكن ما معنى تثريب؟ أما المصيبة فهي أن يقرأها الذين تضايقهم الحروف اللثوية (الثاء والذال والظاء) فتصير: تسريب.
التثريب كالتأنيب والتعيير والاستقصاء في اللوم، والثارب: الموبّخ، ثرَب وثرَّب وأثرب: وبّخ، وقالوا: مثرِّب قليل العطاء: هو الذي يمن بما أعطى، وثرَّب عليه: لامه وعيَّره بذنبه، وفي كتاب الله الكريم «قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم» (92 سورة يوسف) قال اللغويون: معناه لا إفسادَ عليكم. وقالوا: معناه لا تذكر ذنوبكم.
والطريف في الأمر أن «الثرْب» شحمٌ رقيق يغشى الأمعاء، وجمعه ثروب.
• قرأت قبل أيام «القرارات التي تمخضت عن الاجتماع» وتذكرت أنني كثيراً ما أقرأ مثل هذه الجملة «وليس من المتوقع أن تتمخض عن الاجتماع نتائح مهمة» والجملتان – وما يشبههما – خطأ، وسبب الخطأ أن مثل هذا القول يعكس الأمر، فالذي «يتمخض» هو المرأة، واستعير الفعل للمؤتمر أو الندوة أو الاجتماع، فيـلِدُ كذا، ألا تذكرون القول الشائع الساخر «تمخض الجبل فولد فأراً»؟
الأصل في هذا فعل «مخَض» فنقول «مخِضت المرأة» أي أخذها الطلق، ومعروفة جيداً كلمة «المخاض» وهو وجع الطلـْق، قال تعالى في سورة مريم «فأجاءها المخاضُ إلى جذع النخلة» وهي المرة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمة في القرآن الكريم، وأصلها «فجاء بها المخاض» فهل يأتي المخاض (ألم الطلـْق) المرأة أم المولود؟
• من الكلمات كثيرة الاستعمال في كتابات الصحفيين والكتاب، ولا ترد في الأحاديث العامة كلمة “لاسيما” ويقصد بها استثناء ما بعدها. والكلمة ليست من أدوات الاستثناء. والمثقفون وأشباههم، والمتعلمون وأشباههم، يستعملون “خاصة” مفردة أو يسبقونها بحرف “الواو”. فيقولون “خاصة إذا قلنا كذا” أو “خاصة عندما تكون الظروف مواتية” وهذا كله خطأ. فكلمة “خاصة” لا تأتي إلا بعد الاسم، وليست من أدوات الاستثناء.
• وقد وردت “خاصة” مرة واحدة في القرآن الكريم، في قوله تعالى: “وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” (الآية 25 الأنفال). وقيل في التفسير إن الجزاء والعذاب إذا نزل عمّ.
كلمة “لاسيما” ليست كلمة واحدة، بل هي ثلاث كلمات هي: “لا” النافية للجنس، و”سيّ” بمعنى مثل. و”ما” التي قد تكون زائدة، وقد تكون “اسماً موصولاً” محلها الجر بالإضافة إلى “سي”. وتستعمل “لاسيما” لترجيح ما بعدها على ما قبلها. ومن شروطها تشديد “ياء” سيّ، وأن تسبقها”لا”. وكثيراً ما نسمع من بعض المتحدثين من المثقفين وأشباههم والمتعلمين وأشباههم “سيما” مجردة من “ولا” وهذا غير جائز. ونلاحظ أن “الواو” محذوفة، وأنهم أوردوا “لاسيما” وليس “ولاسيما” فالواو ليست شرطاً واجباً.
• هنا يجب القول «قليلاً ما نقرأ» ولا أذكر أنني قرأت من قبل هذه الكلمة في مقال صحفي وهي كلمة «عمَه» وسألت المعجم فأجابني بأن «العمه» الحيرة والتردد، فهل لهذا المصدر فعل؟ قال: نعم، عمَه وعمِه (بكسر الميم وفتحها) يعمه (بفتح الميم) حاد عن الحق، وعدت إلى كتاب الـلـه الكريم فهو مرجع الفصاحة، ولم أجد المصدر، ولا الفعل إلا في صيغة الجمع «يعمهون» كقوله تعالى في سورة المؤمنون «ولورحمناهم وكشفنا ما بهم من ضُرّ للجّوا في طغيانهم يعمهون» وقوله سبحانه في سورة النمل «إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زيَّـنـّا لهم أعمالهم فهم يعمهون» وقوله عز وجل في سورة الأعراف «من يُضلل الـلـه فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون». قال المعجم: العمه في الرأي والعمى في البصر، أو العمه في البصيرة كالعمى في البصر، ونعلم أن عمى البصيرة أخطر وأقسى من عمى البصر، ورجل «عمِه» إذا كان لا يبصر بقلبه، أي أعمى البصيرة، كما قال سبحانه في سورة الحج «أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور».
عنوان المقال الذي قرأت فيه هذه الكلمة «عمه وكساح عقلي» أما كان الكاتب يستطيع تغييره؟
بقلم : نزار عابدين
copy short url   نسخ
21/12/2017
2629