+ A
A -
منذ بدء التدخل الروسي في الأزمة السورية، وأنا أرى في سيرغي لافروف دبلوماسياً محترفاً يعي خريطة السياسة العالمية، ولديه من دقة الفهم ما يجعله رافضاً للرؤية الأحادية الضيقة الأنانية لفلاديمير بوتين، رئيسه العنيد .
ولأن لافروف ليس من النوع المشاغب أو من الساسة الذين تراودهم نزعة التمرد على قادتهم، فقد رضي بالممكن، فيما برهنت مداخلاته المهمة فهماً عميقاً يستعصي على طغاة
ومستبدين ذوي طموحات مريضة في الواقع.
ولدى لافروف قدرة على التكيف تجعله قادراً على البقاء في خدمة رئيسه دون أن يشعره من حين لآخر أنه ليس راضياً عنه. وفي كلمته المهمة أمام مؤتمر الحوار المتوسطي هذا الشهر، أشار لافروف بجرأة وصدقية، إلى ضرورة وضع حد للإرهاب في المنطقة، متحدثا بألم واضح عن فوضى عارمة ومنتشرة جراء التدخلات الخارجية (روسيا من بينها) وبسبب محاولة رسم تلك المنطقة جيوسياسيا تحت شعار الحرب على الطغاة.
لم يتردد لافروف عن التحدث عما لحق بالعراق وليبيا بعد مقتل صدام والقذافي، وعما أدى إليه ذلك من استبعاد استعادة الدولة في بغداد أو طرابلس، مطالباً بوقف تدمير الدول من أجل طموحات مشبوهة، أو فرض طرق حياة معينة على شعوب لها ثقافاتها وتقاليدها.
وطرح لافروف العراق وسوريا وليبيا كنماذج على الفوضى، ثم أصر على إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، مصراً على أن حل الدولتين ممكن تماماً، رغم ما يتردد عكس ذلك.
وترتكز رؤية لافروف على إجراء حوار شامل في الدول المحطمة، متحدثاً عن استحالة اشتراط زوال النظام قبل استرداد إنسانية الدولة ومؤسساتها، كما شدد على سيادة الدول الصريعة وعلى ضرورة استرداد التعددية لأنه لا يوجد أي طريق ناجح للحل لا يحترم التعددية بين بني البشر، خاصة وأن التعددية الموجودة في كل مكان، هي شرط من شروط عدم تقسيم الدول.
وأخذ لافروف على واشنطن عدم تصديقها لجبهة النصرة لأنها تبقيها كاحتياط لمحاربة النظام بها مستقبلاً، وهو أمر يؤكده عدم فصل أوباما النصرة عن المعارضة الوطنية السورية، لكن الوزير الروسي طالب رغم ذلك بضمان عدم استخدام مناطق التهدئة كوسيلة لتقسيم سوريا.
غير أن هذا الاحتمال الذي تحدث عنه بوتين أيضاً قائم بالفعل منذ أن أقامت واشنطن بقعة أمنية واسعة يبلغ نصف قطرها خمسين كيلومتراً في منطقة «التنف» بجنوب سوريا، وهو اجراء ربما تريد أميركا من ورائه تقطيع سوريا إلى أجزاء تمنح واشنطن سلطات محلية موالية. لكن هذا الاحتمال لم يحُل دون مدافعة لافروف عن الاصرار على إجراء مصالحات وطنية بين المجتمعات السورية وتوثيق الاتصال بين السلطات المحلية ومناطق التهدئة من جهة، وأراضي النظام من ناحية أخرى.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
19/12/2017
2910