+ A
A -
بات عبدالإله بن كيران، السياسي المغربي المثير للجدل، يحمل صفة «سابقاً» على واجهتين.
إذ أصبح «رئيس الحكومة السابق»، بعد أن كان قد أعفي من مهمة تشكيلها في مارس الماضي، في الأسبوع الماضي صار كذلك يحمل لقب «الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية».
في الحالة الأولى كان بن كيران قد وضع شروطاً لتشكيل حكومة ائتلافية يقودها «العدالة والتنمية»، لذلك قرر العاهل المغربي الملك محمد السادس تكليف الدكتور سعد الدين العثماني تشكيل الحكومة، الذي قبل ما كان يرفضه بن كيران وافق على الصيغة المقترحة من طرف القصر الملكي.
في الحالة الثانية رفض مؤتمر «العدالة والتنمية» الذي انعقد في جلسات مغلقة الأسبوع الماضي، تعديل القوانين الداخلية للحزب حتى يتسنى منح بن كيران فترة ثالثة في قيادة الحزب.
كان لافتاً أن بن كيران طلب من أنصاره داخل المؤتمر الثامن للحزب، عدم التشبث باقتراح تعديل القوانين الداخلية التي تنص على أن الأمين العام يمكنه تولى المنصب لفترتين، وكان أنصاره يأملون التمديد له لولاية ثالثة. هذا الموقف سمح للدكتور العثماني أن يفوز بمنصب الأمانة العامة بعد منافسة شرسة مع إدريس الأزمي الإدريسي رئيس المجموعة البرلمانية للحزب.
هكذا جمع العثماني بين رئاسة الحكومة وقيادة الحزب، وهو الوضع الذي كان عليه بن كيران عندما حملته موجة الربيع العربي إلى منصب رئاسة الحكومة، بعد أن حصل حزبه على المرتبة الأولى في مجلس النواب آنذاك.
المؤكد أن الفضل يعود إلى بن كيران في الاكتساح الانتخابي الذي حققه «العدالة والتنمية «الذي يعتبر نموذجاً لتيار «الإسلاميين المعتدلين». إذ كان قد قاد حزبه في أول انتخابات يشارك فيها في عام 1997، حيث حصل وقتها على تسعة مقاعد، وفي الانتخابات التالية فاز بأزيد من أربعين مقعداً، ثم استفاد الحزب من موجة الربيع العربي ليحصل على 107 مقعداً، وبناء على تلك النتيجة تولى بن كيران تشكيل الحكومة في عام 2011.
كانت تلك أول حكومة يشكلها «الإسلاميون» وبما أنها حكومة ائتلافية ضمت أحزاباً أخرى، أطلقت عليها الصحف المغربية وقتها تعبير «الحكومة نصف الملتحية».
عندما جرت الانتخابات في أكتوبر من العام الماضي، حافظ «العدالة والتنمية» على المرتبة الأولى، لكن المفاجأة أنه حسن موقفه حيث ارتفع عدد نوابه إلى 125 نائباً. على الرغم من أن حكومة بن كيران اتخذت قرارات صعبة، أدت في كثير من الأحيان إلى ارتفاع تكاليف المعيشة.
كانت التكهنات تقول إن «العدالة والتنمية» لن ينهزم انتخابياً لكن عدد نوابه سيتقلص. بيد أن بن كيران الذي يصفه خصومه بأنه «سياسي شعبوي» استطاع بقدراته الخطابية المتميزة وشخصيته الكاريزماتية أن يؤثر تأثيراً كبيراً على قطاعات واسعة من الناخبين.
يعتقد الآن كثيرون أن «العدالة والتنمية» ربما يفقد زخمه بعد أن أصبح بن كيران خارج المواقع القيادية، إذ رفض أن يكون رئيساً للمجلس الوطني (برلمان الحزب) وبالتالي عضواً في «الأمانة العامة»(المكتب السياسي). كما جرى استبعاد أنصاره من القيادة.
هناك من يرى أن مسار «العدالة والتنمية» سيكون على غرار مسار حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي كان في السابق أقوى وأكبر أحزاب المعارضة. لكنه فقد شعبيته بعد أن شكل عبدالرحمن اليوسفي حكومة ائتلافية في عام 1998، ثم استمر الحزب مشاركاً في الحكومات المتعاقبة، وكانت النتيجة أن تآكلت شعبيته حتى تحول إلى حزب صغير لا يملك حتى مجموعة برلمانية.
المفارقة أن أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى إعفاء عبدالإله بن كيران من تشكيل الحكومة معارضته دخول الاتحاد الاشتراكي الحكومة، وكانت آخر كلماته في مؤتمر حزبه الأخير الذي طوى صفحة هذا السياسي الهادر قوله «دخول الاتحاد الاشتراكي لحكومة العثماني كان بمثابة ضربة قوية للعدالة والتنمية».
التاريخ حافل بالمفارقات، وفي المغرب يبدو أن الأمور كلها مفارقات، ومن ذلك توارى سياسي مثير للجدال له قدرات ملحوظة وبقرار من رفاقه.
إنه حقاً ظاهرة.
بقلم : طلحة جبريل
copy short url   نسخ
16/12/2017
2717