+ A
A -
لا أحد، حتى دونالد ترامب نفسه، يعتقد أن كلفة خطوته بشأن القدس ستكون محدودة، أو بأن اعتباره المدينة عاصمة لإسرائيل، يمكن أن يكون مفيداً للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
صاحب هذا القول العقلاني الخالي من أي نزق أو عصبية، والمتسم بالحيادية، هو الباحث الشهير «شبلي زكي تلحمي»، ذو الأصول الفلسطينية المتعاون مع معهد «بروكنغز»، والمعروف بآرائه ونصائحه السديدة للرؤساء الأميركيين.
وكعادته، دعم تلحمي دراسته بالوقائع والأرقام، مستكشفاً على سبيل المثال، أن استطلاعاً أجرته جامعة «مريلاند» لصالح معهد «بروكنغز»، وجد أن «59 %» من ألفيْ أميركي بالغ يفضلون لو أن ترامب لا يميل إلى أي من جانبيْ الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.
ووجد تلحمي أيضاً أن المسيحيين الإنجيليين وهم قلة من الطائفة البروتستانية المؤيدة لنقل السفارة الأميركية في «إسرائيل» من تل أبيب إلى القدس، قد تم توظيفهم من قبل ترامب في مناصب مهمة لم يصلوا إلى مثلها في عهد أي رئيس سابق في التاريخ. ومن هذه المناصب قاضي المحكمة العليا «نيل غورسوتش» ووزيرة التعليم «بيتسي دي فوس» وعمداء الكثير من الكليات الدينية.
وفوق ذلك، تبين أن ثلثي المسيحيين الإنجيليين المعروفين بالعربية باسم «المشيخيين»، يدركون مسبقاً أن ترامب يميل جداً إلى إسرائيل، وتلك نسبة لم تحققها أي فئة سكانية في الولايات المتحدة.
ومن أهم ما أثبته تلحمي خطأ افتراضات الإدارة الأميركية بشأن الكلف المحدودة لنقل السفارة، حيث تبين أن هذا الاعتقاد لا يقوم على شيء سوى التخمين الذي لا يدعمه دليل. وعلى العكس، فإن نقل السفارة يتعارض مع أولويات وضعتها الإدارة ذاتها في الشرق الأوسط، مثل محاربة التطرف الإسلامي ومواجهة النفوذ الإيراني.
ويرى الباحث أن القدس قضية مثالية لتستخدمها طهران والمتشددون الإسلاميون لتحشيد الدعم ضد الولايات المتحدة ومن يؤيدون سياساتها. كما فند تلحمي الادعاء بأن «الهاشتاغات» العربية بشأن القدس لعبت دوراً أكثر أهمية في مثل هذا التقييم، لافتاً إلى أن هذا التصور ليس صحيحاً أبداً، إذْ خلال التحضير لمفاوضات كامب ديفيد في عهد بيل كلينتون عام «2000»، لم يكن من الصعب رؤية أن البيت الأبيض قلل خطأ من مركزية القدس بالنسبة للفلسطينيين والعرب، وقدرة هذه القضية على إفشال المفاوضات، ذلك أن القدس كانت كما ثبت، السبب الحقيقي في إخفاق المفاوضات آنذاك.
ورغم أن الشرق الأوسط قد شهد المزيد من الانقسامات منذ ذلك الحين، فقد شرح الباحث كيف أن قضية القدس بقيت رمزاً مركزياً يتسامى على أي انقسام، وظلت قضية تحشيد في كل الظروف. وحتى لو لم يخرج العرب إلى الشوارع بأعداد كبيرة، فإن ما أقدم عليه ترامب سيعمل لصالح أولئك الذين يسعون من أجل استعادة القدس. ويجدر الاستشهاد باضطرار حكومة نتانياهو منذ شهور لإلغاء إجراءاتها بشأن المسجد الأقصى والصلاة فيه، بضغط من حكومات عديدة.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
11/12/2017
3348