+ A
A -
رغم ما يعتور مسارهم من مشكلات، وما يواجههم من تحديات، يواصل الأشقاء التونسيون، تقديم النموذج الريادي في التحول الديمقراطي.
وكما كان للأشقاء التونسيين، قصب السبق وقيادة الثورات العربية. قدموا أيضاً النموذج الذي أعتبره مثالياً، في كيفية العبور بديمقراطيتهم الوليدة، رغم الأنواء.
هذا الانتقال، الذي كان مثار إعجاب، وتأييد، من القوى الكبرى. كان لمرونة القوى الإسلامية، ممثلة بحركة النهضة، فاعلية وتأثير عميقان فيه. تلك المرونة بدأت مبكراً، وتحديداً في عام 2013 عندما التقى رئيس الحركة راشد الغنوشي، مع رئيس حزب نداء تونس، آنذاك، الباجي قايد السبسي، وقبوله الحوار الوطني، وانسحاب حكومة الترويكا التي كانت تقودها النهضة من الحكم لفائدة حكومة مستقلة من التكنوقراط برئاسة مهدي جمعة.
اعتقد المراقبون، أو قل المتربصين بالحركات الإسلامية وقتها أن تلك المرونة ليست إلا تكتيكاً ومناورة، من الحركة، ومجرد تمرير لريح عاتية كان يمكنها أن تعصف ليس فقط بالحركة، وإنما بالثورة التونسية الرائدة.
لم تلتفت الحركة، لعين السخط التي ينظر بها البعض للحركات الإسلامية، وواصلت طريق المرونة والاندماج والنضج السياسي، حيث أعلنت الحركة الامتناع عن تقديم مرشح للرئاسة، في الوقت الذي سارعت كل القوى السياسية التونسية، بتقديم مرشح لها للوصول إلى قصر المرادية، الذي زهدت فيه النهضة. ولأن المرونة والنضج كانا استراتيجية ذكية، فقد خطت حركة النهضة، خطوة جديدة في هذا المسار، بإعلان مؤسسها ورئيسها السيد راشد الغنوشي، لتصبح الحركة حزباً سياسياً مدنياً، يتفرغ للعمل السياسي، ويتخصص في الإصلاح انطلاقاً من الدولة، ويترك بقية المجالات للمجتمع المدني ليعالجها، ويتعامل معها من خلال جمعياته ومنظومة الجمعيات المستقلة عن الأحزاب بما في ذلك النهضة.
هذا التمايز بين السياسي والدعوي، حسب تعبير الشيخ الغنوشي، هو في تقديري، جوهر الأزمة التي تعاني منها جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي، وربما في أي مكان في العالم. ذلك أن غيابها، هو المدخل الرئيس للمنتقدين– الناظرين بعين السخط التي تبدي المساوئ-، والمشككين، بحجة الخلط المرفوض في رأيهم بين الديني والسياسي.
لقد خطت حركة النهضة الإسلامية التونسية، خطوة ناضجة، أتصور أنها قد تكون فاصلة في تاريخ حركات الإسلام السياسي بالمنطقة.
وكما انطلق الربيع العربي من تونس، فإن المتوقع أن ينطلق منها، مع هذه المبادرة «النهضوية»، ربيع جديد، من نوع آخر هذه المرة. وهو ما أتي أكله سريعاً، بمشاركة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، في مؤتمر حركة النهضة، تقديراً منه لمشاركتها الفعالة في المصالحة التونسية وثنائه على قرار «التمايز» التاريخي.
تحتاج حركات الإسلام السياسي، قديمها وحديثها، إن أرادت أن تواصل عملها، أو رسالتها، إلى أن تستلهم مسار حركة النهضة، أو بصراحة شديدة إلى اقتفاء اثرها، من دون أن نغفل، هذه الفوارق في السعة والقبول التي يتميز بها منافسو الإسلاميين في تونس، عن غيرهم الذين يتعاملون من منطلق الكراهية للحركات الإسلامية، في بلدان اخرى.
بقلم : محمود عيسى
copy short url   نسخ
22/05/2016
1382