+ A
A -
تملك الفلبين الطبيعة الساحرة، والثروات الزراعية والمعدنية، والشعب الخلوق متعدد الثقافات، والكوادر العلمية والحرفية المؤهلة، وبالتالي لا ينقصها شيئا، لتكون في مصاف النمور الآسيوية، سوى الأمن والاستقرار الداخلي المحفز على قدوم الاستثمارات الأجنبية. ولأنها افتقدت هذا العامل، فإن أحوالها الاقتصادية تراجعت إلى الحضيض (خصوصا مع الانفجار السكاني، واستشراء الفساد في مفاصل الدولة، وتراجع سعر صرف العملة المحلية (البيزو)، واستمرار الحرب الأهلية في جنوب البلاد) إلى حد إطلاق اسم «رجل آسيا المريض» عليها، وإنْ كانت قد حققت بعض النمو الاقتصادي غير المسبوق في عهد رئيسها المنتهية ولايته بنينو أكينو.
ويمكن القول أن أوضاع الفلبين ازدادت سوءا بعد ثورة «قوة الشعب» في 1986 التي أطاحت بديكتاتورها ماركوس وبطانته الفاسدة. فخلال السنوات التي حكم فيها الأخير، عانت البلاد من الفساد والمحسوبية والاحتكار والنهب المنظم لثروات البلاد،، لكنها في المقابل تمتعت بفترة طويلة من الاستقرار والأمن بسبب استخدام ماركوس للقبضة الحديدية ضد منتهكي الأمن واللصوص والمجرمين والعصابات المحلية.
اليوم يأتي إلى سدة الرئاسة شخصية من خارج الطبقة السياسية التقليدية المنتمية في الغالب إلى مجتمع مانيلا المخملي، والتي خذلت الشعب الفلبيني طويلا ولم تقدم له سوى الوعود الفارغة. هذه الشخصية هي «ريدريغو دوترتي» الذي فاز مؤخرا في الانتخابات الرئاسية، بحصده نحو 40% من أصوات الناخبين البالغ عددهم 50 مليون نسمة تقريبا (نصف إجمالي عدد السكان).
والرئيس الجديد، محام وسياسي شغل منذ 1988 منصب عمدة مدينة دافاو، ثالث أكبر مدن الفلبين، حيث قام بجهود جبارة في التصدي للخارجين على القانون، بل قيل أنه شكل فيها كتائب للموت، فقتلت أكثر من ألف قاطع طريق ومجرم خارج إطار القانون. وقد استخدم انجازاته البلدية تلك في حملته للتقرب إلى الناخبين من أجل الفوز بالرئاسة، بدليل أن شعاره الانتخابي كان عبارة عن قبضة يد، في إشارة بالغة الدلالة على سعيه - إذا ما انتخب - للضرب بقبضة حديدية ضد الخارجين على القانون والفاسدين والمجرمين، وربما ضد نفوذ الساسة التقليديين.
وإذا كان البعض قد نظر إلى هذا الأمر من زاوية الخوف من عودة الديكتاتورية إلى الفلبين في ظل دوترتي، خصوصا بعدما أدلى الأخير بتصريحات مثيرة للجدل مثل أنه سيقوم باستئصال الجريمة من البلاد خلال ستة أشهر فقط، ومخاطبته لزعماء عصابات الإجرام بقوله «أنتم أيها المجرمون، من الأفضل لكم أن ترحلوا.. لأني سأقتلكم»، ثم مخاطبته لهم مرة أخرى بقوله «أيها المتورطون في تهريب المخدرات.. يا أبناء الكلاب، سوف أقتلكم جميعا وأرمي بجثثكم في خليج مانيلا.. إنني متعطش لتنفيذ ذلك»، ناهيك عن قوله «المسؤولون الفاسدون يجب أن يتقاعدوا أو يموتوا»، فإن البعض الآخر كان له رأي مختلف مفاده أن البلاد في حاجة إلى رئيس قوي يجيد الضبط والربط ويحسم الأمور دون إبطاء، كي يعود للنظام والأمن هيبتهما المفقودة منذ ثلاثة عقود، بل أن هذا البعض عبر صراحة عن أن دوترتي ما كان ليهزم منافسيه الأربع في السباق الرئاسي ــ وجلهم من الشخصيات المعروفة ــ لولا تصريحاته ووعوده بالقضاء سريعا على الجريمة ومعها البطالة والفقر والفساد.
إلى ما سبق، نقل عن الرئيس المنتخب تصريحات أخرى مثيرة للجدل، جعلت بعض وسائل الإعلام تشبهه بالمرشح الأميركي للرئاسة «دونالد ترامب» لجهة المواقف الانفعالية المتطرفة، وتصفه بـ «ترامب الشرق». من هذه التصريحات شتم بابا الفاتيكان لأن زيارته إلى الفلبين في العام الماضي تسببت في ازدحام مروري منعه من الوصول إلى المطار، والتهديد بقطع العلاقات مع استراليا والولايات المتحدة بسبب تدخلهما في الشؤون الداخلية لبلاده، ودعوته إلى تغيير دستور البلاد من اجل تحويل نظام الحكم من رئاسي إلى برلماني.

بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
22/05/2016
1823