+ A
A -
اليمن بلا علي عبد الله صالح. هذا الرجل جعل طوال عقود اسم اليمن مرادفا لاسمه واسمه مرادفا لليمن. كانوا يقولون إن امتطاء الليث أسهل من حكم اليمن، لكن صالح «امتطى الليث» و«رقص مع الثعابين» قبل ان يسقط ضحية هوايته المفضلة وأن تخذله مهارته في فن البقاء واللعب على التناقضات.
عندما تولى السلطة عام 1978، قيل إنه كأسلافه الضباط الانقلابيين لن يصمد اكثر من اسابيع واذا به ظل جاثما على الكرسي 35 سنة متفوقا بذلك على الملكة بلقيس. خلع من الحكم بقوة الارادة الاقليمية، لكن صاحب الحيلة الواسعة ظل يحلم بالعودة إلى السلطة ليحطم الرقم القياسي للإمام يحيى في الحكم (40 سنة). كان كل شيء يشير إلى ان كل ما جرى في اليمن في السنوات الأخيرة سيأتي على حسابه. إلا انه فاجأ الجميع مرات عدة ونجح في قلب الطاولة على كل خصومه والحلفاء، وهو الذي لم يكن له يوما حلفاء دائمين ولا خصوم دائمين. فسيرته الذاتية لم تكن سوى مسلسل من التحالفات ثم الانقلاب على تلك التحالفات، تحالف مع الجنوبيين وحاربهم، وحارب الحوثيين وتحالف معهم، وكذلك الحال مع السعودية التي تحالف معها وتلقى العلاج في مستشفياتها ثم حاربها ثم عاد ليعرض فتح صفحة جديدة معها.
حاول علي صالح ان يقلب الاوضاع في اليمن مجددا وان يبدل وجهة الحرب، بعد إعلانه «الانتفاضة» ضد الحوثيين، حلفاء الأمس. لكنه محاولته الأخيرة باءت بالفشل. حسابات بيدره لم تطابق حسابات الحقل اليمني الجديد. انتفاضة كان يمكن أن تشكل انقلاباً على الانقلاب الذي نفذه الثنائي. ومن الواضح أنه رأى ان مصالحه لم تعد مصانةً مع الحوثيين، وأنها اللحظة المناسبة لعرض صفقة كبرى مع التحالف السعودي الاماراتي الذي يقود الحرب على اليمن، خصوصا ان هذا التحالف يعاني مأزقا في ظل العجز عن تحقيق أي إنجازٍ ميداني، والضغط الدولي الناجم عن تفاقم الأزمات المعيشية في صنعاء، إثر الحصار المفروض من السعودية والإمارات تحديداً. ومن الجلي أن الراحل قرّر، في هذه المرحلة، عرض خدماته لإنقاذ السعودية من ورطتها، مقابل ثمن كبير هو عودته إلى صدارة المشهد السياسي اليمني بشخصه أو بشخص احد أقاربه. اعتقد ان في استطاعته القيام بـ«رقصته» الأخيرة لحساب الرياض وأبو ظبي، وان يحقق لهما مبتغاهما في اليمن، بالنظر إلى سيطرته على وحدات فعالة من الحرس الجمهوري ورهط من القبائل، مستنداً تحديداً إلى حالة الامتعاض الكبير في العاصمة اليمنية ومحيطها من ممارسات ميليشيات الحوثيين. لكن الرقصة الأخيرة كانت مميتة. لم يدرك عمق تعاظم النفوذ الحوثي في معاقله الرئيسية لاسيما في صنعاء التي كان يعتبرها ملعبه، ولم يدرك أيضا ان «التحالف» الخارجي الذي حاول أن يبيعه الريح اعتاد على حصد العاصفة. غياب علي صالح لن يجعل فقط الحوثيين لاعبا وحيدا في الساحة اليمنية الشمالية، بل يفقد السعودية والامارات «الفرصة الذهبية» التي عملوا على إنضاجها طِوال السنوات الماضية، وضخوا عشرات المليارات من الدّولارات لشق الجبهة الداخلية المضادة، وشِراء الولاءات.
رحل «الراقص مع الثعابين» لكن يخطئ من يعتقد ان الأزمة في اليمن انتهت وان البلد غير السعيد سيستعيد سعادته وسيستقر بانتصار عسكري أو بصفقات في الغرف السود، مادامت هذه الصفقات تخدم مصالح أصحابها وليس مصلحة اليمنيين المغيبين بالقوة والقمع عن رسم مستقبلهم وتحديد خياراتهم السياسية.
لا الصفقات بل الوفاق، الوِفاق اليمني وحده، هو السكة الصحيحة إلى الأمن والاستقرار في اليمن، وإنهاء الحرب الضروس هو المخرج الوحيد للتحالف الذي تقوده المملكة. لا «مؤتمر» علي عبد الله صالح، ولا الحوثيين، ولا حكومة الرئيس منصور عبد ربه هادي، ولا جماعة «الشرعية» المنفية في الرياض، ولا نزلاء فنادق أبو ظبي، ولا الحراك الجنوبي، ولا القبائل الكبرى في الشمال، يستطيع أي منهم حكم اليمن بمفرده، فهذا البلد لن يحكم إلا بتوافق كل مكوناته وتفاهمهم وباتاحة الفرصة أمام الشباب اليمني لاختيار النظام الافضل لبلده وهو حتما ليس ذلك النظام القديم القائم على التحالف القبلي– العسكري الذي خرب البلاد وشرع أبوابها للتدخلات الخارجية وأوصلها إلى ما وصلت إليه.

بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
07/12/2017
2515