+ A
A -
يطلق عليهم سكان الشوارع، ولكن الفقر ليس هو الوحيد الذي يقذف المشردين من بيوتهم ليختاروا سكنى الشوارع، بل حكى لي أصدقاء أن أحد المشردين الذي كان مشروع أديب في مقتبل حياته، كان يعيش في شقة فاخرة مع زوجة ظن أنه اختارها بعناية، ولكن بعد سنوات قلائل من تضاريس وعرة مر بها في حياته الزوجية، فقد توازنه النفسي بسبب زوجته النكدية، وإلى حد تفضيله سكنى أحد الشوارع على البقاء تحت سقف واحد مع زوجة يمقتها ولا يطيق رؤيتها، فالفقر والزوجات النكديات وأشياء أخرى هي أسباب لظاهرة المشردين الذين يراهم البعض بثوراً على واجهات المدن، ومن ثم ليس المشرد هو كل من يفتقد إلى مأوى، بل إن بعضهم يرتمي في أحضان التشرد باختياره ويؤثر سكنى الشوارع بدلاً من العيش في جحيم حياة لا تروق له ولا يتحمل أوزارها.
يقودنا ذلك إلى عدم الاستخفاف بالمشردين دائماً، فمنهم من هو جدير بتأمل رحلته العسيرة في الحياة، ومنهم من ارتضى فقر التشرد على ثراء الحياة فوق صفيح الكراهية الساخن، لذا لا تستغرب أن اكتشفت أن أحد هؤلاء المشردين يتمتع بذوق وبأخلاق رفيعة المستوى، ويتميز بالأدب الجم، كهذا المشرد الذي حكت قصته صحف أميركية وأوروبية، والذي ردت له سيدة أميركية من ولاية نيو جرسي الجميل له، لنه انفق آخر 20 دولاراً معه لتزويد سيارتها، بالوقود، إذ إنها كانت تقود سيارتها في طريق بين ولايتين أثناء الليل عندما نفذ البنزين من سيارتها، وبعد ذلك التقت هذا المشرد الذي كان يجلس على جانب الطريق رافعا لافتة لطلب المال.
وقالت هذه السيدة إن الرجل طلب منها أن تعود إلى سيارتها وتغلق أبوابها، لأنه يعتبر الطرقات مكاناً غير آمن لأي شخص خاصة لامرأة بمفرده، وبعد دقائق قليلة عاد بعلبة بنزين.. وأنفق آخر 20 دولاراً كانت معه للتأكد من أنها سوف تتمكن من العودة إلى منزلها سالمة إذ أطلقت من أجله حملة تبرعات عبر الإنترنت جنت أكثر من 325 ألف دولار.
ونادرة جداً هي المدن الخالية تماماً من المشردين، فأغنى المدن الأوروبية ستجد في أحشاء بعض شوارعها مشردين، ولهذا لا تستغرب أن قالت الأمم المتحدة إنه يوجد حالياً حوالي 100 مليون مشرد حول العالم، فالحروب والأزمات السياسية في مجتمعات وما ترتب عليها من لاجئين وفارين من الموت رفعت منسوب التشرد في العالم، كما يقول سيكولوجيين إن إخفاقات متعددة في الحياة،‏ تؤدي إلى الانهيار النفسي أو خسارة الرغبة في الحياة إلى حد الهروب إلى التشرد
والغريب في الأمر أيضاً أن مشردين ظن أنهم تصالحوا مع الفقر، نجحوا في تغيير حياتهم وتحولوا من الفقر إلى الثراء وأحياناً إلى الشهرة وذيوع الصيت، كما أن الغريب أيضاً- وكما قرأت ذلك- أن المشردين في العاصمة الأميركية واشنطن يصدرون صحيفة اسمها: «عقل الشارع» ويحررها مشرد تخرج بشهادة جامعية في التكنولوجيا الإلكترونية وعلم الكومبيوتر، واشتغل بعض الوقت في إدارة الفضاء الوطنية «ناسا».

بقلم : حبشي رشدي
copy short url   نسخ
05/12/2017
6611