+ A
A -
لندن.. باريس.. جنيف في جهة الغرب.
مانيلا.. جاكرتا.. بانكوك في جهة الشرق.
نحن في المنتصف.
إن ذهبت شرقا، جهة مانيلا على سبيل المثال،
تخرج من جيبك الخمسمائة ريال، تصرفها عند الصراف فيعطيك مقابلها عشرين ورقة من عملتهم، تشعر أن جيبك امتلأ مالا بخمسمائة ريال فقط. تشعر أن فلوسك لها قيمة، وأنت بالتالي لك قيمة، ومن كثر ما تشعر بالثراء تتخيل نفسك قادرا على شراء حتى القصر الرئاسي..
تجلس في المطعم وتطلب ما لذ وطاب، ثم يكون الحساب فتافيت..
في المقهى، في الشارع، في التاكسي،
البقشيش الذي تعطيه للنادل يكاد يقبل رأسك عليه.
كل شيء رخيص، والرخيص مريح للأعصاب، خصوصا وأنت مع عائلتك، فأنت بذلك تأخذ راحة بال مضاعفة.
لكن حين تذهب غربا.. إلى لندن مثلا.
تخرج من جيبك الخمسمائة ريال عند الصراف، فتأخذ مقابلها ورقتين، بسرعة تقفز إلى ذهنك صورة صراف مانيلا والعشرين ورقة..
تشعر وأنت تصرف الخمسمائة أنها غير كافيه، فتخرج أختها وأختها وأختها ثم تصرف ثلاثة آلاف ريال أو أربعة آلاف أو عشرة أو عشرين، ولكن رغم ذلك لا تشعر أبدا بأي شعور بالشبع أو النشوة المادية التي تعطيها لك عملة مانيلا.
الخمسمائة ريال لا تكفيك إلا وجبة.. وجبة واحدة فقط، من غير أن يبقى منها حتى البقشيش للنادل.
لكن كم بقشيش النادل اللندني؟
إنه بنصف راتب موظف فلبيني...
وقلة تأثير فلوسك تنسحب عليك، فتشعر بقلة تأثيرك أنت، ثم كمية الدفع التي تدفعها تضغط أعصابك في كل مرة ترى فيها ورقة الفاتورة مقبلة عليك من بعيد كأنها شاحنة تريد دهسك..
الكل في لندن لا يعرفك ولا تهمه ولا يريد منك ولا يطمع فيك، إلا الحرامية والنصابين الذين يملؤون جوان رود.
في مانيلا وأنت تسير وجيبك العمران بالفلوس تشعر بما يشعر به الملوك بين حاشيتهم..
تشعر أن الكل يحبك ويعرفك، تشعر أنك مشهور ونجم شباك..
فبمالك تشتري كل شيء تقع عليه عينك.. هكذا تشعر.
لندن تشعر أنك فقير وعلى قد الحال، ولو كانت ميزانية سفرتك مائة ألف ريال..
الفرق بين سياحة لندن ومانيلا..
مثل الفرق بين من يتزوج ببنت تاجر كبير صرّيفة مبذرة، وبنت بواب غلبان صغيرة جميلة قنوعة.
بقلم : بن سيف
copy short url   نسخ
30/11/2017
3023