+ A
A -
فكرة التريث التي اطلقها الرئيس سعد الحريري بعد عودته إلى بيروت، ليعلن التراجع عن استقالته الملتبسة والمفاجئة في الرياض، لن تعجب السعودية.
صحيح ان الرجل في وضعية «المتريث»، ليس رئيس الحكومة المستمر بتأدية مهماته بشكل كامل، لكنه ايضا ليس رئيس الوزراء المستقيل، كما أرادت المملكة من اجل فرض الفراغ الدستوري على لبنان، لرفع غطاء الشرعية الذي يوفره الحريري لـ «حزب الله» وحليفه رئيس الجمهورية ميشال عون.
انقلبت الرياض على الحريري بعدما اخذت عليه انه يجلس في حكومة واحدة مع «حزب الله» معتبرة ان ذلك يمنح إيران غطاء لاحتلالها المستتر للبنان.
لكن سعدا كان يقول ويعتقد ان المشاركة في الحكومة، رغم ما تنضوي عليه من إساءة، هي السبيل الأوحد لإنقاذ لبنان من استيلاء إيراني كامل ودائم عليه.
كان في يد الحريري الكثير من اوراق القوة: منصب رئيس الوزراء ذو الصلاحيات التنفيذية النافذة، اكبر كتلة نيابية في مجلس النواب مضاف اليها الغالبية النيابية المطلقة، بل كان في يده ما هو اشد قوة: منطق الدفاع عن الدولة في مواجهة منطق الدويلة التي يتطلع اليها الحزب.
ولمنطق الدولة جمهور واسع يتخطى جمهور الحريري إلى فئات واسعة من جمهور «حزب الله» نفسه. وكان في وسع المملكة أن تدعم هذا التوجه وتعززه في اتجاه توضيح الرؤية الرافضة للتدخل الإيراني المستتر وتمكينها من التبلور. وكان في امكانها ان توسع دارة اتصالاتها باكثر مع جماعة لبنانية ذات لون طائفي معين لتشمل فئات اخرى تمكن «حزب الله» من حصر تمثيلها أو رأت فيه خط دفاع عنها إزاء التطرف الطائفي المتسرب من سوريا. وكان يمكن لولي العهد السعودي ان يشكل مثالا للشباب بالدعوة إلى رؤية مستقبلية للمنطقة قائمة على الحض على وقف الحروب والصراعات وعقد التسويات ورفع شعار التنمية والاعتدال والانفتاح.
هكذا توجهات كان يمكن ان تجذب شريحة واسعة من اللبنانيين، كانت سترى في المملكة حليفاً طبيعياً في مواجهة إيران الخمينية التي تجتهد لغرس ثقافاتها في أوساط الشباب اللبنانيين.
إلا أن القيادة السعودية الجديدة لم تبدِ تفهماً للطبيعة الدقيقة للمنظومة السياسية اللبنانية، بل طالبت السياسيين اللبنانيين الذين يسعون إلى تجديد التحالف معها والاعتماد عليها، بالولاء المطلق، فبدا وكأن «البيعة» لولي العهد السعودي هي الشرط البداية. وقد تجاوب العديد من السياسيين مع هذا المطلب بتحفظ يراعي الحساسيات اللبنانية،.. ومع ذلك لم يرض ولي العهد.
بدا جلياً أن الامير محمد بن سلمان، يطالب حلفاءه اللبنانيين بما يطلبه من رعاياه السعوديين. ولكن مطلبه هذا مناقض للشخصية السياسية اللبنانية، بل يؤسس لشرخ خطير في العلاقات السياسية والاجتماعية بين السعودية ولبنان.
محمد بن سلمان ليس أول أمير سعودي لم يحسن قراءة ثنايا السياسة اللبنانية ولا طبيعة الشخصية اللبنانية، إلا أن خطواته اللبنانية (مثل خطواته القطرية واليمنية) قد تؤدي إلى صدع غير قابل للرأب في هذه العلاقات التي استثمرت فيها المملكة جهودا واموالا طائلة. ما أقدم عليه الأمير الشاب بحق رئيس الوزراء اللبناني هو امعان في الاساءة لم يقدم عليه حتى النظام السوري في ذروة احتلاله للبنان، بحق أي من الحلفاء أو الأتباع.
وقد ينجو سعد الحريري سياسياً، إذا ما توفق في إدارة المرحلة التالية، هذا إذا أُذن له بمرحلة تالية. ما لن ينجو هو مقام المملكة العربية السعودية في لبنان بعد هذا الطيش الصبياني.

بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
30/11/2017
2716