+ A
A -
التقديرات العسكرية الأميركية، ترى أن الموقف الاستراتيجي لكل من الولايات المتحدة، وكوريا الشمالية، في مواجهة بعضهما البعض، يمكن أن يتجه إلى منحنى خطير. فالمعروف الآن أن كوريا الشمالية، دولة ذات تسلح نووي، وهي تتحرك نحو بناء مستقبلي تحشد فيه قوة نووية مكونة من أعداد غير معلومة حتى الآن، تحملها صواريخ متعددة المدى، منها ما هو عابر للقارات.
هذا التطور يضع الولايات المتحدة في ظروف تفرض عليها أن تختبر وسائلها العسكرية والدبلوماسية، في محاولة تعديل المسار الكبير خاصة أن كوريا الشمالية، ترفع من قدراتها التي تتيح لها وضع أراضي أميركا وحلفائها في شمال شرق آسيا في مرمى الهجوم النووي.
هذا الاختبار لم يسبق لأي رئيس أميركي سابق أن واجهه. ونظرا لصعوبة الاختيار أمام الولايات المتحدة، فقد حظي بدراسات لعدد من المختصين بالشؤون الآسيوية، والعسكرية خاصة، لوضع تصور للاحتمال المستقبلي للوضع الحالي. من بينها دراسة للخبير العسكري براد روبرتس الذي كان نائبا لمساعد وزير الدفاع لسياسات الدفاع النووي والصاروخي، في دراسته للمطبوعة التي يصدرها مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في لندن.
وحسب تقديره فإن نقاط الاحتكاك العسكرية، موجودة الآن، لكن الطريق الموصل إلى حرب كبرى، يعد أمرا غير متوافر حاليا، على الأقل بالمقارنة بظروف عصر الحرب الباردة، وأن مخاطر حرب كبرى، قد تناقصت عما كان عليه الحال في الماضي. وذلك بالرغم من أن تصاعد التهديدات من كوريا الشمالية للولايات المتحدة، يجعل خطر هجوم نووي عليها وعلى حلفائها، أمرا يلوح في الأفق. وهو ما يجعل موقف الاختيار الأميركي لإرادتها، لا ينحصر فقط في حدود المواجهة مع كوريا الشمالية، بل أيضا يتعداه إلى دائرة المنافسة بينها، وبين كل من روسيا والصين، حيث يركز الخبراء الأميركيون المختصون بهذه الناحية، على بقاء قواتها المجهزة للردع، وإبقائها في حالة تفوق استراتيجي، في مواجهة بقية القوى المنافسة وعلى رأسها روسيا والصين. في خضم هذه العلاقة التي تتواصل في بعضها، تظل كوريا الشمالية، هي نقطة الارتكاز في الاختبار الذي ستحكم نتائجه علاقتها مع موسكو وبكين.
على ضوء ذلك، بدأت تطرح خيارات لإمكان إيقاف التصعيد بين الولايات المتحدة، وكوريا الشمالية، منها ما أطلق عليه التجميد FRZ، باعتباره خيارا واقعيا، يقوم على المبدأ بإجراء اتصالات، حتى ولو كانت غير رسمية، بإيفاد مبعوث أميركي رفيع المستوى، في زيارة سرية إلى بيونج يانج، وفي محاذاتها تجرى مناقشات لشخصيات أميركية مع سفير كوريا الشمالية في الأمم المتحدة.
والهدف من هذه الاتصالات، أن تقبل كوريا الشمالية، إيقاف تجاربها النووية، والصاروخية، مقابل تخفيف العقوبات، وكذلك المناورات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، كخطوة مرحلية. وعلى أن يؤجل مطلب نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية مؤقتا، لأنها لن توافق عليه. وإن كان الجانبان لم يوافقا حتى الآن بصورة صريحة، على هذا الطرح، الذي لا يزال على المائدة كما يقولون.
إن المحللين المتابعين للوضع، شديد التوتر بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، قد حذروا من أن التصعيد المبالغ فيه للعقوبات قد تكون تأثيراته محدودة، على نظام مصمم على الحفاظ على تسلحه النووي بأي ثمن، وهو ما تحدث فيه ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية، والمستشار السابق للرئيس جورج بوش الأب، من أن حجم العقوبات مهما تضاعف، لن يكون في مقدوره، بلوغ هدف نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية.
إن التهديدات الحالية المتبادلة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، مازالت أطرافها تبحث عن مخرج منها، ترضاه الدولتان في نفس الوقت. وهو مخرج قد يبدو بعيد المنال، لكن حسابات الجانبين للخسائر المادية والبشرية، التي ستصيب كل منهما، في حالة الحرب بينهما، لا تزال للآن تمثل قوة الردع لكل منهما، من التهور أو التعجل، لإنهاء الأزمة لصالحه. لأن أي حل لابد أن يأتي– كما يتصور الخبراء الآن– عن طريق ما يسمى بالتجميد، بتنازلات من كل طرف للآخر، إلى أن تبرد سخونة الأزمة، وعندئذ يمكن أن تجرى مفاوضات أشمل، لخلق مناخ استرخاء أو توقف، بين أميركا وكوريا الشمالية.
بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
29/11/2017
2485