+ A
A -
ليس الكاتب واعظا ولا مُعلّما ولا حتى ناصحا، فدوره الاول، اذا اردتم الصدق، تحليلي بالمعنى الحرفي للكلمة دون ان تترك عباراته للانحياز مكانا، في تقييمه للحدث.
وبعد الهرولة السعودية باتجاه عالم آخر غير الذي عشنا فيه وتلقينا في أطره تربية مغايرة، لم يعد واردا ان نتفاهم او حتى ان نتعايش، فالجامعة العربية لم تعد عربية ومجلس التعاون الخليجي لم يعد عربيا هو الآخر.
المهمة صعبة، والمرء قد يشطح قليلا او كثيرا بما يكون دعما مقصودا او غير مقصود لهذا الطرف او ذاك. وما دام حديثنا يدور حول احتمالات الحرب في الشرق الاوسط والخليج، او بالاحرى مقدار توسعها وامتدادها ما دامت قائمة بالفعل منذ غزو العراق عام 2003، بل منذ غزو أفغانستان عام 2001 وما تلاها من غزوة مانهاتن وقصف البرجين، فعلينا ان نكون حذرين في تناول ما يجري، وفهمه أيضا.
النقلة النوعية الكاسرة للعادة هي تحول هجمة بن لادن النيويوركية الى معركة عض اصابع بين اسرائيل وحزب الله. فهذه هي الحرب القائمة بكتمان شديد خاصة وأنها الوحيدة القادرة الآن على اطلاق صاعق التفجير بمشاركة ممكنة من صواريخ الأساطيل الاميركية في الخليج.
وهكذا ترتبط هجمة نيويورك بدمار مضاعف لوحت به اسرائيل لتحويل غزة الى مكان لا يصلح لسكن الآدميين، واستهداف البنى المدنية في لبنان لإحالتها في طرفة عين الى ما يشبه البرجين لحظة انهيارهما الاسطوري التدريجي الخارق للحقيقة والحارق لكل مديات العنف الممكنة، ووضع ايران بين كماشتي اسرائيل والولايات المتحدة، وتغييرها بين هدنة قاسية الشروط، او حرب حتى النهاية.
الفلسطينيون وحزب الله يأخذون الربط على محمل الجد، وكذلك اسرائيل التي تثب كنمر هائج على طول الحدود ترقبا لنقلة تلائم ما يذهب اليه ولي عهد السعودية من رؤى تصور له امكانية اجتثاث حزب الله من الوجود خلال ساعتين.
نحن احرار في التشبيهات التي نوردها، لكن اعتقاد بن سلمان ان حزب الله جوزة قابلة للكسر بسرعة توفرها له الاسلحة الاميركية، هو خاطئ تماما، فالحزب متجذر ولديه خبرات تكفي للتفريق بين الاستعجال والتروي، لكننا لا ندري ان كان هذا النوع من الوعي متوفرا لمحمد بن سلمان وهو يجهز لكسر ظهر الحزب ربما بإرشادات مستشارين غير مأموني الجانب.
وإذا كان الجنرال عون صامتا بفضل خبرته الطويلة وسعد الحريري يحذر حزب الله بكلمات مائعة من المساس بالسعودية، فقد استبقت الرياض الاحداث بمحو »السعودية اوجيه« من الوجود، ما ترك آل الحريري عراة مطالبين بتعويض ملايين العمال عن رواتبهم غير المدفوعة. وحتى الآن لا يدري احد لماذا حولت الرياض الحريري الى مجرد مومياء لا علاقة له بقيادة السُنة في لبنان.
قد نجد بعض جواب في تحويل الحمساويين الاقوياء مثل هنية والزهار والبردويل الى رجال مطأطئي الرؤوس، ومنظمة التحرير الفلسطينية الى هيئة واشنطنية مهددة بالإغلاق اذا فكرت يوما بتحويل اسرائيل الى محكمة الجنايات الدولية.
المؤامرات شغّالة ضد الجميع في اطار »صفقة ترامب الكبرى« التي ضحك بها على العالم. ولم ولن تنجح اي تسوية في فلسطين او سوريا او العراق او اليمن او مصر، اما النزال الكبير بين طهران والرياض فهو الآن معلق، وقد يلغى في أي لحظة لجر الجميع الى مائدة التفاوض بالإكراه، لرسم توازنات القوى بطبيعتها الجديدة.. ونعيماً للجميع!

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
27/11/2017
2980