+ A
A -
في 15 أيار الفائت أحيا الشعب العربي الفلسطيني ذكرى النكبة واستذكر معه المواطن العربي مأساة فلسطين التي بدأت مع اغتصاب العصابات الصهيونية لأرضها، وإعلان دولتهم عليها عام 1948، وتشريد مئات الآلاف من شعبها لتبدأ معها مسيرة المعاناة، والنضال والكفاح الفلسطيني والعربي لتحرير الأرض المحتلة واستعادة الحقوق السليبة وتحقيق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم التي اجبروا على مغادرتها هربا من المجازر الوحشية الصهيونية التي ارتكبت في دير ياسين وكفر قاسم وغيرها من البلدات الفلسطينية، وعلى الرغم من هذه المجازر فقد بقي عشرات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين في أرضهم وديارهم ورفضوا مغادرتها وصمدوا وتحملوا كل صنوف التعسف والعنصرية التي مارسها الاحتلال ضدهم على مر العقود الماضية.
ومثل هذا الصمود الفلسطيني أصبح اليوم يشكل العقبة الأساسية أمام مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، فالصهاينة المحتلون الذين يحظون بدعم أميركي غربي، بدون حدود، يستطيعون مواصلة الاستيلاء على الأرض الفلسطينية وتهويد ما أمكن منها ويستطيعون أن يعلنوا تحويل دولتهم إلى دولة يهودية عنصرية وعاصمتها القدس لكنهم لا يستطيعون أن يجبروا ملايين الفلسطينيين على هجرة أرضهم على غرار ما حصل سنة 1948، أو أن يفرضوا عليهم الخضوع والاستسلام للمشيئة الصهيونية.
واليوم على الرغم من الواقع العربي السيئ والانقسام في الساحة الفلسطينية والمشاريع الاستعمارية لإعادة رسم خريطة المنطقة بما يقود إلى تصفية قضية العرب المركزية قضية فلسطين أقدم شباب وشابات فلسطين على تفجير انتفاضة فلسطينية ثالثة، أسقطت مخطط طمس قضية فلسطين ومحاولات جعلها قضية منسية وخارج جدول الاهتمام عربياً ودولياً الأمر الذي يؤكد مجدداً أن شعب فلسطين عصي على الإخضاع والتطويع والاستسلام، وانه شعب لا ييأس ولا يستكين مهما اشتدت المؤامرات والتحديات.
وإذا كان هذا الدرس الهام أكده الشعب الفلسطيني منذ حصول النكبة سنة 48، وحتى اليوم، إلاّ أن القيادة الرسمية الفلسطينية لم تكن مع الأسف الشديد بمستوى كفاح الشعب الفلسطيني وتضحياته الجسام وإرادته الصلبة، فهذه القيادة لم تتعلم من الدروس التي تأكدت على مر مراحل الصراع مع الاحتلال، وتجاهلتها واستمرت في نهجها التفاوضي المساوم والعقيم مع حكومة العدو الصهيوني.
على الرغم من الحقائق المرة الدامغة التي اسفر عنها هذا النهج، وهذه الحقائق هي:
الحقيقة الأولى: إن المفاوضات المستمرة منذ توقيع اتفاق أوسلو سنة 1993 لم تؤدِ إلى أي نتيجة إيجابية بل على العكس كانت كارثية على الصعد كافة، فهي أدت إلى نكبة فلسطينية ثانية، فإذا كانت النكبة الأولى تمثلت باغتصاب الصهاينة لـ 78 بالمائة من أرض فلسطين وإعلان دولة إسرائيل عليها،وتشريد مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، فان النكبة الثانية تمثلت باعتراف قيادة منظمة التحرير بموجب اتفاق أوسلو، بإسرائيل وبالتالي تخليها عن الأراضي التي احتلت عام 48 والقبول بتحويل الصراع على ما تبقى من ارض تحت الاحتلال إلى نزاع يجري حله عبر المفاوضات التي تحولت إلى مسرحية وملهاة، استخدمها القادة الصهاينة لمواصلة سياسة قضم واستيطان وتهويد الأرض الفلسطينية وتكريس الأمر الواقع الصهيوني عليها، وهي سياسة صهيونية متبعة منذ إعلان وعد بلفور المشؤوم سنة 1917 وحتى اليوم.
الحقيقة الثانية: إن الاستمرار في الرهان على الدول الغربية الاستعمارية للضغط على حكومة العدو الصهيوني وإجبارها على السير بحل الدولتين ثبت بأنه رهان على سراب وأن الغرب ينظر إلى الصراع بعين إسرائيلية وليس بعين فلسطينية، وبالتالي فهو عندما يتحرك ويحاول الظهور بمظهر من يدعو إلى تحقيق السلام ويطالب إسرائيل بقبول حل الدولتين إنما ينطلق في ذلك من زاوية خدمة المصلحة الإسرائيلية، ومحاولة إجهاض الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية، وإعادة إحياء وإنعاش الرهان على مسار المفاوضات لخداع الشعب الفلسطيني، وهذا ما بدا أخيرا من وراء طرح المبادرة الفرنسية التي تأتي في سياق محاولة إنقاذ إسرائيل من أن تتحول إلى نظام عنصري على غرار النظام العنصري الذي كان سائداً في جنوب أفريقيا وسقط بفعل النضال الوطني التحرري.
الحقيقة الثالثة المرة: إمعان السلطة الفلسطينية في سياسة التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال الصهيوني وتحول أجهزة السلطة إلى حارس لأمن الاحتلال عبر ملاحقة واعتقال الشباب الذين يخططون لتنفيذ عمليات ضد جنود ومستوطنين صهاينة.
لقد برهنت التجربة أن الاستمرار في هذه السياسات إنما يخدم فقط خطط الاحتلال ومشاريعه.
وأن لا سبيل لحماية عروبة فلسطين واستعادة الحقوق وفي مقدمها حق العودة ومنع حصول نكبات جديدة، إلاّ بالعودة إلى نهج المقاومة والانتفاضة والاعتماد على الشعب تماماً كما فعلت كل الثورات الظافرة التي واجهت احتلالاً لأرضها وانتصرت عليه، فالاحتلال لا يفهم لغة سوى المقاومة الشعبية المسلحة.

بقلم : حسين عطوي
copy short url   نسخ
21/05/2016
1121