+ A
A -

كل ابتكار جديد يغير معه حياة الناس والمجتمعات إلى الأبد.. قبل اختراع السيارة كانت شوارعنا ضيقة مصممة للمشاة، ومدننا صغيرة مصممة لقطعها على الأقدام.. السيارة تسببت في ظهور الشوارع العريضة والمـدن العملاقة والتسبب بحالات تلوث وازدحام غير مسبوقة..
.. ويمكنك قول الشيء نفسه عن الكهرباء والإنترنت والقنوات الفضائية والطائرات التجارية التي غيرت سلوكنا وطبيعة مجتمعـاتنا إلى الأبد..
وفي اعتقادي أن الهاتف الجوال هو آخر التقنيات التي أثرت في حياتنا وثقافتنا وسلوكنا الاجتماعي.. أصبـنا (مثل كافة المجتمعات) بهوس الجوال وتحوله إلى إدمان يستقطع أوقاتاً ثمينة من حياتنا وحياة أبنائنا..
هناك صورة مشهورة - على الواتسآب- يظهر فيها صـف كامل من وزرائنا الأعزاء وقـد فتح كل منهم جواله ينظر إلـيه..
ومن الصور العالقة في ذهني (ورأيتها في دول كثيرة حول العالم) أم برازيلية مع ثلاثة أطفال تنظر للجوال وأطفالها للآيباد..
وعائلة سعودية في أحد مطاعم دبي ينظر كل منهم لجواله دون أن ينطق بكلمة (ولا أعلم لماذا نسافر طالما نراها أكثر من غيرها)..
وشابة صينية بثياب الزفاف تنظر لجوالها في حديقة في شنغاهاي ريثما ينتهي عريسها من ترتيب المواقع مع المصورين..
وملصق في سانت بطرسبورج لزوجين روسيين ينظر كل منهما لهاتفه الجوال كتب تحتها: «بعد أن كانت الفـودكا تجمعنا أصبح التليفون يفرقنا»..
وصورة لم أرها، ولكن يمكنني تخيلها لزوجين شابين يستلقيان على سرير الزوجية وقد حمل كل منهما جواله لمتابعة آخر المستجدات قبل النوم..
... في فبراير الماضي كنت في جزيرة بالي التي عـدت لزيارتها مجدداً بعد ثماني سنوات.. في المرة الأولى كان أصحاب المحلات الصغيرة يتهافتون لإغرائي بشراء أي شيء منهم.. أما في المرة الثانية فتغيرت الأحوال ولم أعد أثير اهتمام أحد كون معظم البائعين (خصوصاً الجيل الجديد) كانوا مشغولين بجوالاتهم عن تصيد السياح..
وحين زرت سنغافورة في يونيو الماضي شاهدت حالة إدمان متقدمة بين المراهقين بالـذات. فـفي الشوارع والأسواق والقطارات والباصات لا يكاد أحدهم يرفع رأسه عن هاتفه الجوال.. رأيت ثلاثة أصدقاء يدخلون ويخرجون من المترو دون أن ينظروا لبعضهم أو يتوقفوا عن كتابة رسائل الدردشة (بسرعة ثلاث مقالات في الساعة الأمر الذي جـعلني أحسدهم على هذه الموهبة)..
وبطبيعة الحال؛ لست بدعاً من القوم.. فأنا شخصياً لا أخرج من منزلي قبل التأكد من حمل هاتفي الجوال.. وبمجرد ركوبي السيارة أفتحه لأشاهد ما استجد في آخر خمس دقائق.. وحين أصل لأول إشارة أشاهد من حولي ينظرون أيضاً في جوالاتهم.. وحين أصل لـدوار السلام أشاهد رجل المرور ينظر لجواله غير عابئ بالازدحام حوله.. وحين أصل لمنزل والدتي أجد حولها شخصين أو ثلاثة «يبحلقون» في ذات الجهاز!!
... أدرك تماماً أن الجـوال أصبح ضرورة (ونافذة على العالم) تخرجنا من دائرة الملل.. ولكن حفاظاً على أوقاتنا الجميلة أتمنى منكم التقيد بأربعة بروتوكولات تحافظ على أوقاتكم وتحميكم من إدمان الجوال:
- الأول: عاهد نفسك على عدم النظر إليه حين تتواجد بين أفراد عائلتك (ووالديك على وجة الخصوص) واجعله دائماً في غرفة غير التي تجتمعون فيها..
- والثاني: ضعـه على «الصامت» ولا تخرجه من جيبك حين تكون في اجتماع أو دعـوة مهمة..
- والثالث: اتفق مع أبنائك على البروتوكول الأول، ونبههـم للبروتوكول الثـاني..
- والرابع: حين تحتاج جوالك فعلاً (أو يأتـيك اتصال أو رسالة مهمة) افعل مثلي واستأذن الحاضرين «بعـد إذنكم أرد على هالرسالة»..
... فأنت مثل كل العالم أصبحت مدمنا على الجوال؛ وشفاء الإدمان يحتاج لوقت ويتم على مراحل..
بقلم : فهد عامر الاحمدي
copy short url   نسخ
21/05/2016
2212