+ A
A -
ربما يكون الأردن الدولة العربية الوحيدة الفعالة، التي تسعى في أسوأ أجواء ممكنة، للحفاظ على موقف نشط يحتل من خلاله مربعا مهماً يبعده قليلاً أو يقربه قليلاً من هذه الدولة أو ذلك المحور، بذات المقدار من المسافة المحسوبة ليس بالكيلومترات، بل بالسنتمترات والملمترات !
وإذا كان الأردن يملك العديد من العوامل والدوافع الجيو- سياسية والاقتصادية التي تفرض عليه ذلك التنقل المنهك بين الألغام المبثوثة في الاتجاهات الأربعة، فإن حساباته، رغم دقتها وحساسيتها تتعرض أحياناً لانتقادات أو تعليقات تصنف بالطفيفة، ولكنْ لا مهرب منها إطلاقاً.
لسنا معنيين بتقييم الموقف الأردني الفعلي من طبيعة الصراعات والخصومات التي شرذمت الأمة إلى ما يشبه العداء المعلن بين التكتلات في كثير من الأحيان، لكننا نستطيع من خلال قراءة ما تفكر به عمَّان في غمرة المعمعة الآخذة في التصاعد، أن نتعرف على تصدعات عربية غير مسبوقة أفضت إلى إقامة تحالفات متشابكة ومعقدة، بمشاركة أطراف أجنبية، نذكر منها الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو ما يتطلب من جميع الأطراف حذراً ودقة، بما في ذلك لجوء الأردن الضروري إلى ابتكار دروب آمنة تعفي المعنيين من انهيارات حادة وسقطات لا قيام منها.
ليس دورنا أن نزرع الإحباط، فالجو بأكمله محبط إلى آخر حد،ولكن الشيء بالشيء يذكر، حيث إن الأجواء التي تلف الشرق الأوسط والخليج الآن تذكرنا بالأجواء التي رافقت دخول صدام الكويت وما تلا ذلك من انقلاب تاريخي غيّر خريطة المنطقة ومستقبلها إلى الأبد.
وما يجري الآن من توافق إسرائيلي- سعودي- أميركي مشترك ومعلن، لمواجهة إيران وحزب الله وبقية حلفاء طهران المليشيوية والحكومية، يخلق ظروفاً أشد خطورة من تبعات الغزو الأميركي للعراق.
ورغم أنه لم يُعرف حتى الآن مدى الجدية السعودية- الأميركية في احتواء إيران أو الأساليب التي ستتبع لتحقيق ذلك، فإننا مازلنا نذكر تعهد الرياض وواشنطن في اجتماع الرياض بمايو الماضي، وعلى لسان ترامب وسلمان بانهاء التغلغل الإيراني أو التمدد والتوسع في الدول العربية.
مقدار الجدية والجرأة عاليان، كما نظن، ولكنّ تقدير المحللين ينصب على ما سيبدر عن الأردن المطالب بالابقاء على مساحة واحدة تجاه الجميع، عدا عن انغماسه الكلي في مساعي التسوية النشطة في سوريا المجاورة، ما يفرض على عمّان تعميق التعاطي مع أزمات المنطقة كلها في وقت واحد بما في ذلك فلسطين، خاصة مع بروز محاور محملة بالنوايا العسكرية ومنها- بل أهمها- محورا اليمن ولبنان اللذين يتعمد الجانب السعودي، كما هو واضح، حسمهما عسكرياً بمعاونة واشنطن طبعاً، وفي غياب استعداد إيراني واضح للتراجع في الخليج أو الشرق الأوسط.
لذلك، فنحن على أبواب مقامرة كبرى تراهن فيها الأطراف بكل ما تملك، مما يتطلب تدخلات سريعة، من الولايات المتحدة خصوصاً لترتيب معادلات القُوى والتوازنات الجديدة في الاقليم.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
22/11/2017
2934