+ A
A -
لم يأتِ بيان مجلس الجامعة العربية مخالفاً للتوقعات، ولم يقلل من وقع الفشل الذي أصاب الخطة السعودية الجديدة للبنان قبل انطلاقها. مرة أخرى تحصد سياسات الأمير الشاب القابض على العرش في الرياض، الخيبة.
لم تكن المملكة تريد من «الإقالة» المدوية لرئيس الوزراء اللبناني إحداث «صدمة إيجابية» في لبنان كما قال سعد الحريري المغلوب على أمره في مقر احتجازه. كانت تريد انقلاباً استراتيجياً يقلب موازين القوى والمصالح. لكن الصدام الخشن مع الحقائق مجازفة كبرى والاندفاع غير المحسوب تهور. كان مصير الانقلاب الفشل عندما خذلته الوقائع على الأرض.
التسوية في لبنان التي أنهت الفراغ الطويل في رأس السلطة لم تكن من صنع لبناني كما جرى الترويج لها، بل كانت نتيجة تفاهمات دولية وإقليمية مباشرة وغير مباشرة، أجمعت على إبعاد لبنان الصغير بحجمه والمؤثر بموقعه، عن زنار النار الذي أصاب المنطقة، إلى حين قيام نظام إقليمي جديد يوزع النفوذ والغنائم على انقاض الحرب على «داعش» والصراعات المحلية. هذه التفاهمات نصبت شبكة أمان على امتداد الجغرافيا اللبنانية ليس كرمى لعيون اللبنانيين بل لأسباب أخرى منها أن بلدهم صار مخيماً كبيراً للنازحين يتعين الحفاظ على استقرارهم فيه حتى لا يكونوا صداعاً أليماً للمجتمع الدولي عموماً ولأوروبا خصوصاً المكتوية بلهيب قضايا المهاجرين.
وتحت الضغط الدولي، لم يعد ممكناً الإبقاء على الحريري قيد الاحتجاز، وإلا فإن التوجه إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار ملزم ضد السعودية وفق القوانين الدولية مسألة وقت.
أخطأ صناع القرار الطامحون في المملكة، عندما اعتقدوا أن في يدهم القدرة على ضرب التسوية وهز شبكة الأمان الدولية هذه. وهكذا تحركت باريس وخلفها بروكسل وواشنطن لقطع الطريق أمام هواة السياسة الجدد من تعطيل مسار سياسي اكبر من اللعبة الداخلية اللبنانية.
اخطأ هؤلاء مرة أخرى، عندما أساؤوا تقدير مدى نفوذهم وقوتهم الشعبية في لبنان. صحيح أن دور المملكة تصاعد في هذا البلد الصغير بفعل إغراءاتها المادية الجبارة، لكنه ظل قاصراً عن إحداث تحول في عقول اللبنانيين وقلوبهم لأنه كان قاصراً عن تسويق نمط عيش مغرٍ أو فكرة وحدوية صلبة أو حلم بالتغيير. فكان الوجود السعودي مجرد ملء للفراغ تنشده فئة لبنانية في حسابات لعبة التوازنات المحلية، ولم يكن أبداً الكلمة الفصل في موازين القوة المتحركة. وهكذا لم تحرك «الصدمة» التي ارادتها المملكة لا الشارع ولا الوجدان، لا بل دفعت باللبنانيين– على غير عادتهم- إلى التوحد خلف قضية واحدة وهي «عودة سعد».
اخطؤوا مرة ثالثة، عندما ظنوا أن اللبنانيين مادة سهلة الاحتراق يمكن بسهولة استخدامهم في إشعال نار في وجه «حزب الله» والانخراط في حرب أهلية. لم يكن هناك أي «انتحاري» مستعد للمجازفة بالانجرار إلى التصعيد والمقامرة على سلامة البلد، ذلك أن طعم «الموت الأهلي»، لايزال تحت أضراسهم بعدما حصدت حروبهم الصغيرة وحروب الآخرين على أرضهم طوال خمسة عشرة عاما اخضر البلد ويابسه.
بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
22/11/2017
2800