+ A
A -
درجت في السنوات العربية الأخيرة، لاسيما السنوات السورية واللبنانية منها، فكرة غربية ومثيرة للجدل ومعمقة للخلافات الموجودة أصلا، تتلخص الفكرة بتمني البعض لو أن الاستعمار الفرنسي بشكله القديم، ما زال مستمرا في بلادنا، أو لو أن الثورات (التحررية) التي حدثت في أربعينيات القرن الماضي، وأدت إلى جلاء الفرنسيين عن بلادنا، لم تحدث، ولم يحدث الاستقلال الذي راكم خلفه سلسلة من الهزائم والحروب الأهلية، والديكتاتوريات العسكرية والمافيات المذهبية والطائفية التي أودت بأوطاننا إلى التهلكة.
ذهب بعض أنصار هذه الفكرة إلى طلب طرح استفتاء عام، أو التوقيع على طلب مقدم للحكومة الفرنسية لوضع سوريا تحت الانتداب الفرنسي مجددا، علها تنقذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى، طالما فكرة الاستقلال والسيادة أصبحت فكرة مضحكة في ظل الاحتلالات المتعددة من دول مختلفة، مباشرة عبر تدخل جيوش وطائرات، كروسيا وإيران وأميركا، أو غير مباشرة، عبر الكتائب المقاتلة مع الأطراف كلها، سورية أو غير سورية، والممولة من دول مختلفة، وتنفذ أجندات هذه الدول. هكذا، في حال وضع سوريا تحت الانتداب الفرنسي من جديد، باتفاق دولي، سيتم إبعاد الدول المتدخلة وتقليص دورها مع مراعاة مصالحها، وسيتم القضاء على كل الكتائب المسلحة التي تشكل بؤرة خطر دائمة في الوضع السوري.
هذه الفكرة السوريالية بقدر غرابتها بقدر ما تعبر عن حالة الانحطاط التي وصلنا إليها نحن العرب، شعوبا وأنظمة ومعارضات، فهي من جهة تكشف كم نحن قصر إلى حد أننا نحتاج إلى وصاية كي نقف على أقدامنا، وتكشف أيضا عجزنا المذهل عن حل مشاكلنا أو السيطرة على أوضاعنا ومسك زمام أمور حياتنا، كما تكشف وهم الجيوش العربية التي تم رهن البلاد والعباد للبنوك الدولية من أجل تسليحها، وتكشف أيضا وهم الروابط العربية والتاريخ المشترك والمصير الواحد، حيث أصبحت جميع الدول بما فيها الدول المركزية الكبرى، أضعف بكثير من أن تتجرأ على اختراع حلول إنقاذ للدول المنهارة، أو حتى لإنقاذ نفسها.
ولعل الفضيحة العربية الأخيرة المتعلقة برئيس الوزراء اللبناني المستقيل، سعد الحريري، والتدخل الفرنسي عبر زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى السعودية، وفك أسر الرئيس المحتجز، في موقف مذهل لا سابقة له، والحديث عن شرط وضعته السعودية مقابل زيارة الحريري لفرنسا هو عدم عودته إلى بيروت، وما يشاع عن احتجاز أبنائه في السعودية ضمانا لعودته، هي أكبر دليل على حالة الانحطاط التي يعيشها العرب، كما هي دليل مؤكد أننا نحتاج إلى أن نوضع تحت وصاية دولة عظمى، حقيقة لا مجرد مجاز أو رغبة، سيما في سوريا ولبنان.
بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
21/11/2017
2273