+ A
A -
مواقف الفرقاء اللبنانيين والدوليين طوّقت السعودية ووضعتها أمام مرآة الاعتقال، الذي حاولت ترقيته إلى مرتبةِ الاستضافة، والحماية من الاغتيال فلم تصِبْ أهدافَها وبات سعد الحريري اليوم وبإعلان لبناني رجل الدولة «المقيم بغير إرادته» في المملكة وبإقرارٍ دولي هو الرئيس الذي لا يملك حريته وفي تصريحات لا تقبل التأويل. المقابلة التي أريد لها أن تكون صك براءة للرياض من تهمة مصادرة الحريري نسفت محاولة التعمية على إقامته الجبرية في ضيافتها.
وأتت مواقف الرجل في سقف أدنى بكثير من ذلك الذي ظهر في بيان استقالته, وكأن السعودية (ربما تحت الضغط الدولي) ارتضت النزول عن الشجرة التي صعدت إليها برفع سقف المطالب، بالقبول مجدداً بالتزامها التسوية الحالية للحكم في لبنان بعد تعديل شروطها.
ولعل السر السعودي الأوضح الذي أفشاه الحريري في السياق المسرحي الدرامي، أن مشكلة الرياض ليست سلاح «حزب الله» لا في لبنان ولا في سوريا والعراق بل في اليمن، وعليه تمخضت الصدمة «الحريرية» عن تحديد خطر الحزب في اليمن، وتاليا مطالبته بفك تحالفه مع خصومها اليمنيين لحفظ ماء وجهها في صحن دارها بعد الفشل المرير الذي أصاب «عاصفتها» في هذا البلد.. وهكذا إذا لم يستجب «حزب الله» لهذا المطلب، وهو لن يستجيب، عندها فقط تصبح الاستقالة لا رجعة عنها، وتفقد «الصدمة» الحريرية طبيعتها الإيجابية.. وهنا يصير النزول عن الشجرة التي صعدت إليها المملكة في لبنان اشد صعوبة.
السعودية استثمرت طويلاً في لبنان، وحجم نفوذها في هذا البلد منذ اتفاق الطائف الذي شاركت في رعايته لا يستهان به.. وهي حجزت على الدوام في منصب رئيس الوزراء بطاقة اعتماد لا ترد ولا تبدل.. وهذا المنصب مشبع بالصلاحيات التنفيذية الأرفع، كما أن لحلفائها في فريق 14 آذار الغالبية النيابية المطلقة القادرة على الحيلولة دون أي تشريع يمس بلبنان الذي تريده المملكة.. ولسعد الحريري وتياره السياسي أكبر كتلة نيابية من بين كتل الغالبية والأقلية.. وفي مقابل منطق «الدويلة» الموصوف بها «حزب الله»، يحظى منطق الدولة الذي يردده الحريري وحلفاؤه بصدى واسع في أرجاء المجتمع المدني اللبناني، يمكن إذا أحسن استثماره سياسياً أن يشكل أداة ضغط لا يستهان بها ضد «حزب الله»، وقد تكون أشد فتكاً من كل عبارات التهديد المكتوبة بحبر سعودي. ومن المفارقات أن يكون أول ضحايا هذه الهجمة السعودية حليفها رئيس الحكومة (المستقيل؟) سعد الحريري الذي قدم استقالته من الرياض، فاتحاً الباب أمام أزمة وطنية حادّة، قد يكون المستفيد الأول من الفراغ الحكومي والسياسي قد تخلفه، «حزب الله» نفسه الذي تريد المملكة تحجيمه وتقزيم نفوذه في لبنان للكف عن تدخلاته في الخارج.
بات واضحاً أن لبنان سيكون عنواناً جديداً للتجاذبات في المنطقة، والتي قد تتدحرج إلى إجراءاتٍ غير مسبوقة بحق هذا البلد، بعدما قرّرت السعودية اعتباره ساحة للمواجهة مع إيران، واستخدام كل الأوراق الممكنة في هذا المجال، اقتصادياً وسياسياً.
خطوات هذا السيناريو لم تبدأ بعد، لكنها لن تكون مستبعدةً، في حال أصرّت السعودية على المضي في الخطوات غير العقلانية التي تتبعها في الداخل والخارج، وفتح جبهاتٍ على أكثر من صعيد، بذريعة مواجهة تمدد النفوذ الإيراني، من دون أن تكون قادرة على حسم أي منها.. جبهات بات لبنان مرجحاً بقوة للدخول فيها، غير أن نتائجها ستكون على عكس ما تريده السعودية، وقد تهدد كل ما راكمته في هذا البلد من شعبية ونفوذ.
من سيدفع ثمن المطالبة السعودية بتغيير موازين القوى في لبنان عبر الضغط والتهديدات، ليس «حزب الله»، ولا واضعو السياسات الخاطئة والقصيرة النظر، بل هو، أولاً وأخيراً، الشعب اللبناني المغلوب على أمره.
بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
17/11/2017
2611