+ A
A -
المناقشات حول تمدد أدوار وسائل التواصل الاجتماعي، في مراكز الفكر السياسي، امتدت إلى مناقشات للحكومات أيضا، والكل يتساءل عما إذا كان التعامل مع الساحة المفتوحة، التي يرتع فيها كل من يريد الترويج لأفكار مختلف عليها، هو بمثابة عميل أجنبي، في عصر ثورة المعلومات الذي زالت فيه الحدود الافتراضية بين الدول. في هذا السياق لعب أفراد من تنظيم داعش، أو متعاطفون معه، أدوارا تستغل هذه الوسائل، والترويج من خلالها للإرهاب والتحريض عليه.
وتحويل هذه الوسائل إلى مصادر لتحصيل المعلومة، وهو ما دفع إلى المطالبة بقوانين لتنقية هذه الوسائل، وكذلك شبكات الإعلام عامة، مقروءة ومسموعة، من هذا التسلل لنوعية من الأخبار والتقارير، أصبح خبراء الإعلام يطلقون عليها وصف FAK NEWS الأخبار الكاذبة.
ولما كانت وسائل التواصل الاجتماعي، قد أصبحت مصدرا يسهل الوصول إليه دون عناء، وسريع الانتشار، فقد اتسع الوصف الذي يطلق عليها، بالقول إن ما تروج له من أخبار كاذبة، يدخل في سياق حرب المعلومات، حتى إن 45% من الشباب الأميركيين يعتبرون الفيس بوك مصدرهم للأخبار.
والتساؤل عما إذا كان ترك هذه الوسائل دون تنقية مما بها من سلبيات ضارة، من خلال تعاون الشركات التي تديرها، يخلق شكلا من أشكال حرب المعلومات، يؤثر على الأمن القومي للدولة.
لقد أصبح هناك خبراء متخصصون في مجال الأخبار الكاذبة، وحرب المعلومات بحيث رصدت بحوثهم أن ما يعادل 50% من الأخبار التي يقرأها المتعاملون مع النت وقنواته المتعددة، هي ما يطلق عليها وصف الأخبار الكاذبة.
ولعل أكثر ما سبب إزعاجا للسلطات الأميركية، كان ما نشره معهد بيو PEW لاستطلاعات الرأي من أن 20% من الأميركيين هم الذين يثقون فيما تقوله حكومتهم. ولم يتوقف الأمر عند وسائل التواصل الاجتماعي، بل تبين أن نفس نسبة عدم الثقة طالت الميديا التقليدية من صحافة وتليفزيون.
إن تعبير FAK NEWS الأخبار الكاذبة، أخذ ينتشر خلال العام الأخير، خاصة بعد استخدام الرئيس ترامب لهذه الكلمة، في اتهامه لوسائل الإعلام – بصفة عامة– بإذاعة أخبار ومعلومات ملفقة. وأن الأمر وصل إلى التحري بصورة بعيدة عن المهنية، من نماذجها ما أذاعته شبكة سى. إن. إن، ليلة تنصيب ترامب من تقرير عنوانه: «ماذا يمكن أن يحدث لو قتل الرئيس المنتخب أثناء تنصيبه؟».
وإزاء تفشي هذه الظاهرة عكف خبراء الإعلام على عمل دراسات عنها، منها مثلا ما ذكره الإعلامي جون زيجلر بقوله: إننا اعتدنا خلال السنوات الأخيرة، على التعرض لغسيل مخ لمشاهدي وسائلنا الإعلامية لكي يفقدوا الثقة في كل شيء يخالف ما يتم بثه في هذه الوسائل.
كذلك قال ديفيد مايلكستون مؤسس مركز متابعة الإعلام، إن تعبير الأخبار الكاذبة، هو مصطلح يتحدث أساسا عن الأشخاص الذين يلجأون إلى تزييف الأخبار.
وحسب تعبير الكاتبة لورا إنجراهام فإن الأخبار الكاذبة، هي ذريعة لتبرير من يختلقها، لأجندته الفاشلة.
ويقول الكاتب مايكل مالكييران، إننا نعيش الآن في عالم الميديا المبعثرة، الذي يستطيع فيه من يتحكم في وسيلة إعلامية، الحجر على من يختليفون معه.
بعض الصحف الرئيسية في الدول الغربية، ومنها على سبيل المثال نيويورك تايمز، هاجمت الدور المتسع لوسائل التواصل الاجتماعي، التي وصفتها بالإعلام البديل. وإن كان ذلك لا يعفي بعض هذه الصحف من أنها كانت سباقة في نشر الأخبار الكاذبة، خدمة لمصالح السياسة الخارجية لحكومتها. مثلما نشرت نيويورك تايمز في عام 2003، عشرات الأخبار الكاذبة، حول بناء العراق برنامجا نوويا، تبريرا للغزو الذي كانوا يجهزون له للعراق.
المشكلة التي يواجهها المهتمون بمناقشة هذه الظاهرة، نابعة من أن لها تأثيرا مزدوجا لأن تأثيراتها لا تنحصر في المجال الداخلي للدولة، من حيث تأثيرها على عقول الرأي العام، بل تتعداه إلى استخدام دول أجنبية له، للنفاذ إلى عقول مواطني دول أخرى، طالما أن شبكاتها متاحة وعلى أوسع نطاق، على النت في عصر ثورة المعلومات، وتهافت الحدود المعرفية.

بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
15/11/2017
3612