+ A
A -
على الرغم من أن الولايات المتحدة الأميركية قد اتخذت في عهد الرئيس باراك أوباما سلسلة قرارات تقشفية لخفض الانفاق العام بغرض مواجهة العجز المتنامي في الميزانية العامة والبالغ حاليا أكثر من 660 مليار دولار، وتزايد الدين العام الذي ناهز العشرين تريليون دولار وفوائده المرهقة للمالية العامة والاقتصاد والمجتمع على حد سواء.
وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات التقشفية شملت موازنة الجيش الأميركي من زاوية خفض عديده وموازنته، والتوقف عن شن الحروب البرية في الخارج لعدم القدرة على تحمل اكلافها الباهظة، فان الإدارة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب مستمرة في سياسة التدخل العسكري في الخارج لاسيما في أفريقيا حيث أدى مقتل أربعة من الجنود الأميركيين مؤخرا في النيجر إلى انكشاف هذا التدخل في هذا البلد الأفريقي.
وتسبب في حصول سجالات في الكونغرس الأميركي انتهت إلى الإبقاء على تفويض الرئيس والبنتاغون في اتخاذ ما يرونه مناسبا لما أسموه الدفاع عن أمن الولايات المتحدة الأميركية.
على أن التبرير الذي دفع إلى هذا التدخل جاء تحت عنوان مواجهة الإرهاب الذي انتقل من الشرق الأوسط إلى دول أفريقية عديدة ومنها النيجر.
وفي هذا السياق أعلن معهد راند الأميركي للدراسات عن الاستعداد لمرحلة ما بعد داعش في سوريا والعراق، في مؤشر واضح على التوجه نحو توظيف داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية في خدمة الاستراتيجية الاستعمارية الأميركية في أفريقيا، فتحت ذريعة مواجهة تنامي هذا الخطر الإرهابي في النيجر زادت واشنطن من تواجدها العسكري في هذا البلد الأفريقي الذي تربطه أيضا معاهدة تعاون مع أميركا، ويجري اليوم التهويل من خطر تزايد قوة الإرهاب في دول جوار النيجر لزيادة منسوب التدخل الأميركي، حيث يحيط بالنيجر كل من مالي والجزائر وتشاد ونيجريا وبوركينا فاسو، ومعروف أن العديد من هذه الدول تواجه تحدي وجود الإرهاب على أراضيها، فالقاعدة موجودة في دول المغرب الغربي، وفرع الأنصار التابع للقاعدة أيضا منتشر بقوة في مالي وكان سببا في التدخل العسكري الفرنسي في هذا البلد منذ سنوات، فيما تتواجد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وبوكوحرام وحركة الوحدة والجهاد في الغرب الأفريقي، وأنصار الإسلام ولاية غرب أفريقيا. وظهر تنظيم جديد في الصحراء الكبرى يسمى «الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى» الذي تنسب إليه أميركا مسؤولية التسلل إلى النيجر ونصب كمائن للقوات الأميركية النيجرية المشتركة.
وليس خافيا أن أعداد كبيرة من تنظيم داعش قد غادرت العراق وسورية إلى دول أخرى بعد أن أدركت أن معركتها العسكرية باتت خاسرة، وأن هؤلاء بدأوا بتنفيذ هجمات إرهابية في هذه الدول ومنها دول أوروبية وأفريقية؛ ما يعني أن قسما من هؤلاء قد وصل إلى النيجر أيضا في سياق نقل الحرب الإرهابية إلى هذا البلد لتبرير زيادة منسوب التدخل العسكري الأميركي فيه.
لكن السؤال الرئيسي الذي يطرح في هذا السياق، ما هو السبب الذي يدفع واشنطن إلى إرسال قواتها إلى هناك على الرغم من أنها قررت عدم التورط في حروب جديدة تجنبا لدفع أثمان مادية وبشرية لم تعد قادرة على احتمالها؟
من المعروف أن الولايات المتحدة لا ترسل قواتها إلى أي بلد من دون أن يكون لها مصالح وأطماع استعمارية تسعى إلى تحقيقها، فماذا في النيجر من ثروات حتى دفعت أميركا إلى أن يسيل لعابها وتقرر التدخل العسكري ويحصل هذا التدخل على تفويض من الرئيس وقوله ان البنتاغون يفعل ما يراه مناسبا فيما الكونغرس رفض تقييد هذا التفويض أو سحبه من الرئيس وترك له الحرية في ذلك؟
كل الوقائع تؤكد أنه تم اكتشاف وجود المزيد من الكميات الوفيرة من خام اليورانيوم الغالي الثمن في النيجر مما زاد من أهمية هذا البلد في الاستراتيجية الأميركية، هذا المعدن كان السبب وراء التدخل العسكري الفرنسي في مالي وغيره وأدى إلى حدوث انقلابات عسكرية في النيجر سابقا.
والمفارقة أن غنى النيجر بهذا المعدن يقابله تزايد كبير في أعداد الفقراء وأزمات اقتصادية ومالية وخزينة للدولة شبه خاوية، ما جعلها توضع على قائمة برنامج الدول الفقيرة المثقلة بالديون وتخضع لسيطرة صندوق النقد الدولي الذي يعتبر ذراع أميركا المالي لفرض الهيمنة والتبعية على دول العالم الثالث.
غير أن التدخل العسكري الأميركي بدأ يثير نقمة السكان لاسيما وأنهم بدأوا يربطون بين تزايد فقرهم، رغم الثروة الهائلة الموجودة في بلادهم، وبين وجود القوات الأميركية التي تحمي الشركات الأميركية المستحوذة على استخراج واستثمار معظم هذه الثروة في ظل وجود نظام حاكم تابع للولايات المتحدة ينفذ توجهاتها.
ويبدو أن الهجمات المتزايدة التي بدأت تتعرض لها القوات الأميركية والتي توقع قتلى في صفوفها تنذر في تورطها في حرب استنزاف، وهو ما تسبب بارتفاع منسوف السجال داخل الكونغرس الأميركي. وإذا كان الأمر لم يبلغ المستوى الذي يدفع إلى تصاعد موجة الاحتجاجات في الشارع الأميركي على مثل هذا التورط في حرب جديدة فان ارتفاع أعداد القتلى في صفوف القوات الأميركية بفعل الهجمات المتواترة كفيل بان يثير الاحتجاجات في القادم من الأيام لاسيما وأن هناك حساسية عالية باتت لدى الشعب الأميركي تجاه مخاطر انزلاق أميركا إلى الغرق في حرب استنزاف جديدة تتسبب بخسائر كبيرة ماديا وبشريا. وتؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية واستطرادا الأزمات الاجتماعية في الولايات المتحدة.
بقلم : حسين عطوي
mm
copy short url   نسخ
11/11/2017
2151